إلا قليلاً استثناء منقطع أي: لكن قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم، ولا يصح أن يكون استثناء متصلاً مع بقاء التحضيض على ظاهره لفساد المعنى، وصيرورته إلى أنّ الناجين لم يحرضوا على النهي عن الفساد. والكلام عند سيبويه بالتحضيض واجب، وغيره يراه منفياً من حيث معناه: أنه لم يكن فيهم أولو بقية، ولهذا قال الزمخشري بعد أن منع أن يكون متصلاً:(فإن قلت) : في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم، فكأنه قيل: ما كان من القرون أولوا بقية إلا قليلاً، كان استثناء متصلاً، ومعنى صحيحاً، وكان انتصابه على أصل الاستثناء وإن كان الأفصح أن يرجع على البدل انتهى. وقرأ زيد بن علي: إلا قليل بالرفع، لحظ أنّ التحضيض تضمن النفي، فأبدل كما يبدل في صريح النفي. وقال الفراء: المعنى فلم يكن، لأنّ في الاستفهام ضرباً من الجحد، وأبي الأخفش كون الاستثناء منقطعاً، والظاهر أنّ الذين ظلموا هم تاركو النهي عن الفساد. وما أترفوا فيه أي: ما نعموا فيه من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهني، ورفضوا ما فيه صلاح دينهم. واتبع استئناف أخبار عن حال هؤلاء الذين ظلموا، وأخبار عنهم أنهم مع كونهم تاركي النهي عن الفساد كانوا مجرمين أي: ذوي جرائم غير ذلك. وقال الزمخشري: إن كان معناه واتبعوا الشهوات كان معطوفاً على مضمر، لأنّ المعنى إلا قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد في الأرض، واتبع الذين ظلموا شهواتهم، فهو عطف على نهوا، وإن كان معناه: واتبعوا جزاء الإتراف. قالوا وللحال، كأنه قيل: أنجينا القليل وقد اتبع الذين ظلموا جزاءهم. وقال: وكانوا مجرمين، عطف على أترفوا، أي اتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين، لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام انتهى. فجعل ما في قوله: ما أترفوا، فيه مصدرية، ولهذا قدره: اتبعوا الإتراف، والظاهر أنها بمعنى الذي لعود الضمير في فيه عليها. وأجاز أيضاً أنْ يكون معطوفاً على