والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ بها البتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول: لقد قارفت لولا أن عصمك الله، ولا تقول: إنّ جواب لولا متقدم عليها وإنْ كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها، وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري، وأبو العباس المبرد. بل نقول: إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه، كما تقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالم إن فعلت، فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم، ولا يدل قوله: أنت ظالم على ثبوت الظلم، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل. وكذلك هنا التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فكان موجداً لهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفي الهم. ولا التفات إلى قول الزجا. ولو كان الكلام ولهم بها كان بعيداً فكيف مع سقوط اللام؟ لأنه يوهم أن قوله: وهمّ بها هو جواب لولا، ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب. وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة لجواز أن ما يأتي جواب لولا إذا كان بصيغة الماضي باللام، وبغير لام تقول: لولا زيد لأكرمتك، ولولا زيد أكرمتك. فمن ذهب إلى أن قوله: وهم بها هو نفس الجواب لم يبعد، ولا التفات لقول ابن عطية إنّ قول من قال: إن الكلام قد تم في قوله: ولقد همت به، وإن جواب لولا في قوله وهم بها، وإن المعنى لولا أن رأى البرهان لهمّ بها فلم يهم يوسف عليه السلام قال، وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف انتهى. أما قوله: يرده لسان العرب فليس كما ذكر، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب قال الله تعالى: إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنينوَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأٌّبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ