هو حريص على ذلك أشد الحرص، وصده يحز في نفسه؛ لأنه جاء لهذا العمل راغباً فيه، أما من فرح بأنه صد ومنع فلا يحصل له مثل هذا الأجر، والذي يظن أن مثل هذا إنما فعل هذا الفعل ليقال، ولو كان الباعث عليه وجه الله -جل وعلا- والثواب ما فرح بصده عنه، وهذه مسألة يحتاج إليها في كثير من الأعمال، يعني الإنسان قصد المسجد ليصلي فوجد المسجد مغلق، لترميم أو غيره، وليس بجواره مسجد قريب، بحث عن جماعة ما وجد، هذا له أجر كامل، حتى جاء في سنن أبي داود أن من قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجرهم؛ لكن لا يعني هذا أن من فرط ويعرف أن الصلاة تفوته ثم بعد ذلك يذهب إلى المسجد بعد علمه بخروج الناس من المسجد يقول: ليحصل له أجر، ليس الأمر كذلك، والمسألة مردها إلى النية، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) وعمرة القضية اعتمر من العام القابل، اتفقوا يعني في بنود الصلح أن يعتمر من العام القابل، بالفعل اعتمر السنة التي تليها في السنة السابعة، اعتمر وجلس المشركون حول البيت من جهة الحجر فجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- هو وأصحابه وطافوا، وقال المشركون ما قالوا: من أنه يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم بالرمل، أمرهم بالرمل في تلك العمرة من الحجر الأسود إلى الركن اليماني ويمشون بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم، هل نقول: أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- راءا المشركين بهذا العمل؟ أنه لما خفي عن أنظارهم مشى فكان الرمل من أجلهم، نقول: الرمل لذاته ليس بعمل شاق، في الأصل، إنما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لإغاظتهم وإغاظتهم مشروعة، وكونهم لا يرونه رفق بأصحابه فأمرهم أن يمشوا بين الركنين، بينما في حجة الوداع ولا يوجد من يقول: أن محمداً وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب إلى آخر ما قالوا، إنما رمل من الركن، من الحجر إلى الحجر، استوعب الشوط بالرمل، هذه المقالة ارتفعت، ولا يوجد أحد يقول مثل هذا الكلام، وبقي حكم الرمل مشروعاً مسنوناً اقتداءً بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من الأحكام التي شرعت لعلة وارتفعت العلة وبقي الحكم، كالخوف بالنسبة للقصر، شرع لعلة {إِنْ خِفْتُمْ} [(١٠١) سورة النساء] ومع ذلك ارتفع الخوف وبقي