للترويح، فقد أباح للفرد أو للجماعة بعد العمل الجاد والكد والمكابدة في الحياة لطلب الرزق الحلال، أن يركن إلى الراحة قليلاً وأن يلهو مع أهله وأطفاله أو يُمازح أصدقاءه ويُسامرهم، أو أن يسير في الأرض للتعرف على قدرة الخالق العظيم في خلقه قال تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ... }(العنكبوت/٢٠) .
وإنما أمر بالسير في الأرض لأن السير يدني إلى الرائي مشاهداتٍ جمّة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحوياتها ويمر به على منازل الأمم حاضرها وباديها فيرى كثيراً من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جولاناً لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه، لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائباً عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال، فالسير في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة. وجيء في جانب بدء الخلق بالفعل الماضي لأن السائر ليس له من قرار في طريقه فندر أن يشهد حدوث بدء المخلوقات، ولكنه يشهد مخلوقات مبدوءة من قبل فيفطن إلى أن الذي أوجدها إنما أوجدها بعد أن لم تكن وأنه قادر على إيجاد أمثالها فهو بالأحرى قادر على إعادتها بعد عدمها١.
والترويح المباح كثير ولله الحمد ومتنوع ومتعدد في وسائله حتى يتمكن كل فرد أن يجد ما يناسبه، وقبل الحديث عن أقسام الترويح المباح في منهج التربية الإسلامية يود الباحث أن يحدد أهم السمات والخصائص للترويح المباح