وأما المعقول فذكروا وجوها عديده الأول إن الراوي إذا روى الحديث مرسلا فقد قطع بشهادته على النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر وكفى من بعده مؤنة البحث والتفتيش عن الراوي وإذا وصل السند فقد أحال على الواسطة وبرىء من عهدته فالجزم من الراوي بصحة الحديث فيما أرسله أظهر منه فيما أسنده فكان الأول أقوى ولا أقل من أن يكونا على السواء أو يكون المرسل أنزل درجة من المسند ولكنه مما يحتج به
وهذا هو متعمد من يفرق في المرسل بين أئمة النقل المرجوع إليهم في الجرح والتعديل فيقبل منهم ما أرسلوه وبين غيرهم فلا يقبل مرسله لأنه إذا كان قول الواحد من ائمة النقل المرجوع إليهم في الجرح والتعديل فيقبل منهم ما أرسلوه وبين غيرهم لأنه قد جزم به ولا يجزم حتى يثبت عنده عدالة الراوي فيكون قوله مقبولا في ذلك
الثاني إن عدالة الراوي وأمانته يمنعانه أن يشهد على النبي صلى الله عليه وسلم بخبر ويكون راويه له غير ثقة ولا حجة فلا يستجيز أن يجزم بالحديث إلا بعد صحته عنده ولا يلزم أن يكون فاسقا مردود الرواية لكونه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بصيغة الجزم وهو لا يعلم ثبوته أو لا يغلب ثبوته على ظنه فالقول برد المرسل يلزم منه القدح في الراوي وذلك باطل لأن الإرسال لو كان متقتضيا للقدح في المرسل لم يقبل الأئمة من الراوي شيئا مما أسنده إذا كان قد روى مراسيل وخصوصا إذا أكثر منها وقد اتفقت الأمة على قبول خلق كثير من الرواة مع كثرة ما أرسلوه وذلك يستلزم قبول مراسيلهم ولا انفكاك عن واحد من الأمرين
قالوا ومن الدليل على هذين الوجهين وأن الراوي الثقة كان لا يرسل الحديث إلا بعد صحته عنده ما جاء عن الأعمش قال قلت لإبراهيم النخعي إذا حدثتني فأسند فقال إذا قلت لك قال عبد الله فقد حدثني جماعة عنه وإذا قلت لك حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني