للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فقال: دخلت إليه وقلت له: لم أترك جوابك سوء أدب عليك، ولا استهانةً بقولك، وإنما كرهت أن أعترف بحضرة الناس فأُلزم نفسي ما لا يلزمها، أو أجيبك بما حضرت الآن لذكره فيكون ما عليك فيه أكثر مما علي فيه، فامتنعت إكراماً لك وصيانة. ثم قلت: كم جاري؟ فقال: ثلاثة آلاف دينار في الشهر. فقلت: يمكنني وأنا عامل مصر أن أكون بغير كتاب ولا عمال ولا كراع ولا جمال ولا إعطاء ولا إفضال؟. قال: لا. قلت: أفلا تعلم أن لي حرماً وأولاداً وأقارب وأهلاً أحتاج لهم إلى مؤونة؟. قال: بلى. قلت: فأخلو من أن يرد علي زوار بكتبك وكتب أمثالك من الرؤساء فتقتضي المروءة أن أبرهم وأصلهم؟. قال: بلى لعمري. قلت: فهذا الجبار الذي أجاوره وفائق خادمه له ثمانون مرقداً وهو متسلط على الأمر كله يمكنني أن أقيمه على الطاعة وأمنعه إدخال اليد في الضياع إلا بمؤونة أتكلفها له وأولاده وخدمه وكتابه حتى يستقيم ما بيني وبينه؟. قال: هذا ما لا بد منه. قلت: فالخليفة والسيدة والخالة والقهرمانة ومؤنس ونصر الحاجب وكتابهم وأسبابهم يجوز أن لا أهاديهم في كل سنة؟.. قال: هذا رسم لا يمكن الإخلال به. قلت: فالوزراء إذا تقلد الواحد منهم هل يدخل داره شيء قبل ما يحمله خليفتي إليه؟ وإذا نكب فهل يؤدي من مال مصادرته شيئاً قبل ما يستدعيه مني؟ وهذا أنت أيدك الله وأنت أعف الوزراء ومن لا يعرف له نظير ألم أحمل إليك في وقت كذا وكذا وفي وقت كذا وكذا؟ وأُجر على عيالك في مدة كذا وكذا؟! فقال: أنا والله شاكر لذاك. فقلت: ما ذكرت هذا اعتداداً عليك، وإنما ذكرته لتعلم أنه يلزمني لغيرك مثله وأكثر منه. وهذا حق بيت المال في ضياعك بمصر والشام وهو بضعة عشر ألف دينار في السنة أديت منها درهماً واحداً؟. فقال: ما أدري، فقلت: هذا مال عظيم ولست أبرح أو أعلم أنه

<<  <   >  >>