للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بذلك، فقال لي: ما تدري كيف جرى أمر مساحته؟ قلت: لا. قال: فاخرج حتى تواقف وتجتهد. قال: فخرجت ومعي مساح البلد الذين مسحنا بهم، وواقفنا واستقصينا، وما زلت ألطف حتى استقرت مساحة القراح على أحد وعشرين جريباً وقفيز وكنا مسحناه اثنين وعشرين جريباً. واحتججت بأن المساحة وقعت أولاً والغلة قائمة فيه، ومسح الآن بعد حصادها، وليس بمنكر أن يكون بين المساحة على الحالتين هذا القدر. وانصرف القوم وطالعوا علي بن عيسى بالصورة، فوردت علينا كتبه بالصواعق في الإنكار والتوعد وقال: والله لئن عادت ظلامة أو تحيف أحد من الرعية في معاملة أو مساحة لأقابلن على ذلك أشد مقابلة. فتحرزنا وتحفظنا وحرسنا الناس ونفوسنا، وزاد الارتفاع في السنة الآتية ثلاثةً في كل عشرة لأن العدل شاع، والحيف زال، فتوفرت العمارة.

وحدث أبو محمد ثابت بن أحمد بن المشرف كاتب بادوريا قال: كان أهل بادوريا معروفين بالجلد، وكانت لهم مظالم وقوف. ومظالم رسوم، ومظالم تدعى مظالم القرطاس. فتقلد عليهم ابن أبي السلاسل العامل وفي قلبه أحقاد، فأراد الاستقصاء عليهم والتشفي منهم. وأخرج ما عليهم من البقايا، وأضاف إليها ما رده من هذه المظالم، وحبسهم وطالبهم فامتنعوا عليه، وصبروا على الحبس، فقيدهم واحتملوا القيد، ولم يجسر على أن يوقع بهم مكروهاً خوفاً من علي بن عيسى. فأملى في بعض الأيام على كاتبه بحضرتهم رقعةً إلى علي بن عيسى يغريه فيها بهم كل إغراء ويقول: هؤلاء قوم يدلون بالجلد، وعليهم أموال قد ألطوا بها وصبروا

<<  <   >  >>