للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القهرمانة فجلست على مسورة، واستدعت من خادمها منديل حوائجها، فابتدأت تعرض رقعة لبعض الحشم في زيادة دينار في نزله، ولبعض الخدم في زيادة يسيرة في رزقه، وأنا والجماعة نتميز غيظاً من قطعها إياناً عن مثل هذا الأمر العظيم الحديث بمثل هذه الصغائر المضرة بالمال، ثم رميت بالرقعة، وعطفت على القوم ومشاورتهم، فقالت: هكذا يفعل بحوائج السادة؟ فقلت: يا هذه، نحن في حراسة الأرواح وحفظ أصول الملك، وقد شغلتنا عنه بما لا فائدة فيه. فقالت: وما هذا الشغل كله؟ قلت: مصر قد أشرفت على الذهاب والخروج عن يد السلطان وغلب المغربي منها على مواضع الارتفاع، وإن تم ونعوذ بالله من ذاك ما نخاف فقد مضى المغرب كله، ثم لا قرار على البساط بعده. فقالت: بظر أم مصر، ومتى كانت في يد السلطان حتى يغم عليها إذا أُخذت؟ فورد علي من قولها ما أدهشني. فقلنا له: فما كان الجواب عن هذا الجل؟ قال: قلت لها: بمثل هذا أدبر أمر الدنيا. ونهضت مغضباً، وتفرق القوم، وقد شاهدوا وسمعوا عجباً.

وحدث عبد الرحمن قال: حدثني محمد بن يحيى الصولي الشطرنجي قال: لما مضت مدة من وزارة الوزير أبي الحسن علي بن عيسى وانتقل الحواشي وخدم الدار عما ألفوه مع أبي الحسن بن الفرات وأبي علي الخاقاني من بسطهم وبلوغ أغراضهم وزياداتهم في أنزالهم وأرزاقهم إلى ما رأوه في أيام أبي الحسن من الضبط وتجعد الكف واليد، ووضع الأمور مواضعها وحفظ الأموال عما يتخرمها ويتحفيها، نقل على الجماعة أمره واتفق أن دخل في بعض الأيام إلى دار السلطان فحذف في بعض الممرات برقعة وقعت في صدره، ولم يدر من رماه بها،

<<  <   >  >>