ولتفقد أحوالهم فنظروا وأنا معه فأمسكوا عما كانوا عليه لولاء موضعه فمررت على شيخ منهم تلوح صلعته وتبرق للدهن جبهته وهو جالس على حصير نظيف ووجهه إلى القبلة كأنه يريد الصلاة. فجاوزته إلى غيره فناداني: سبحان الله أين السلام من المجنون ترى أنا أم أنت. فاستحيت منه وقلت: السلام عليكم. فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا حسن الرد عليك على أنا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر لأنه كان يقال: إن لله إخاء على القوم دهشة اجلس أعزك الله عندنا. وأومى إلى موضع من حصيره ينفضه كأنه يوسع لي. فعزمت على الدنو منه فناداني ابن أبي خميصة: إياك إياك! فأحجمت عن ذلك ووقفت ناحية أستحلب مخاطبته وأرصد الفائدة منه. ثم قال لي وقد رأى معي محبرة: يا هذا أرى معك آلة رجلين أرجو أن لا تكون أحدهما أتجالس أصحاب الحديث الأغثاث أم الأدباء من أصحاب النحو والشعر. قال: أتعرف أبا عثمان المازني. قلت: نعم معرفة ثاقبة. قال: أفتعرف الذي يقول فيه:
وفتى من مازنٍ ساد أهل البصره ... أمه معروفة وأبوه نكره