للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَتْبَعَتْهَا نَظَرِيّ حَتَّى اِخْتَفَتْ آخِر طَيَّة مِنْ طَيَّات رِدَائِهَا فَعُدْت إِلَى نَفْسِي فَإِذَا جُثَّة اَلْفَتَاة المرجومة لَا تَزَال مَكَانهَا فَهَاجَمَنِي مُنَظِّرهَا وَقُلْت فِي نَفْسِي إِنَّنِي لَا أَدَّخِر لِنَفْسِي عَمَلًا أَرْجُو فِيهِ رَحْمَة اَللَّه وَإِحْسَانه يَوْم جَرَّائِهِ أَفْضَل مِنْ مواراة هَذِهِ اَلْمِسْكِينَة اَلتُّرَاب فاحتفرت لَهَا حُفْرَة بِجَانِب حُفْرَة اَلشَّهِيدَيْنِ ثُمَّ أَلْقَيْت عَلَيْهَا رِدَائِي وَاحْتَمَلْتهَا عَلَى يَدَيْ حَتَّى أضجعتها فِي حُفْرَتهَا فَإِنِّي لِأَجْثُوَ عَلَيْهَا اَلتُّرَاب سَوْدَاء لَا يَسْتَبِين مِنْهَا غَيْر بَيَاض وَجْهه فابتدرني بِقَوْلِهِ مِنْ صَاحِب هَذَا اَلْقَبْر اَلَّذِي تَجْثُو تُرَابه يَا سَيِّدِي قَلَّتْ فَتَاة مرجومة رَأَيْت جُثَّتهَا اَلسَّاعَة مَنْبُوذَة فِي هَذَا اَلْعَرَاء فَرَحِمَتْ مَصْرَعهَا واحتفرت لَهَا هَذَا اَلْقَبْر اَلَّذِي تَرَاهُ فَقَالَ إِنَّ لِي يَا سَيِّدِي مَعَ هَذِهِ اَلْفَتَاة شَأْنًا فَهَلْ تَأْذَن لِي أَنْ أُوَدِّعهَا اَلْوَدَاع اَلْأَخِير قَبْل أَنْ يَحُول اَلتُّرَاب بَيْنِي وَبَيْنهَا قَلَّتْ نِعَم شَأْنك وَمَا تُرِيد وَتَنَحَّيْت قَلِيلًا فَدَنَا مِنْ اَلْقَبْر وَجَثَا فَوْق تُرْبَته وَظَلَّ يُنَاجِي اَلدَّفِينَة نجاء خِلْت أَنَّ اَلْكَوَاكِب تَرَدُّده فِي سَمَائِهَا وَالرِّيَاح تُرْجِعهُ فِي أَجْوَائِهَا حَتَّى اشتفت نَفْسه فَقَامَ إِلَى اَلتُّرَاب يُهِيلهُ عَلَيْهَا حَتَّى وراها ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ اَلْفَتَاة اَلْمَظْلُومَة بِسَتْر مَا كَشَفَ اَلنَّاس عَنْ عَوْرَتهَا وَحَفِظَ مَا أَضَاعُوا مِنْ حُرْمَتهَا فَجَزَاك اَللَّه خَيْرًا بِمَا فَعَلَتْ وَأَحْسَن إِلَيْك كُمًّا أَحْسَنَتْ إِلَيْهَا وَأَرَادَ اَلرُّجُوع فَاسْتَوْقَفْته وَقُلْت لَهُ وَهَلْ مَاتَتْ هَذِهِ اَلْفَتَاة مَظْلُومَة كَمَا تَقُول ? فَانْفَجَرَتْ شَفَتَاهُ عَنْ اِبْتِسَامَة مَرَّة وَنَظَر إِلَى نَظْرَة هَادِئَة مُطَمْئِنَة وَقَالَ نَعَمْ يَا سَيِّدِي وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا رَأَيْتنِي اَلسَّاعَة وَاقِفًا عَلَى حَافَّة قَبْرهَا أَنْدُبهَا.

أَنَا اَلرَّجُل اَلَّذِي اِتَّهَمُوهَا بِهِ وَأَسْتَطِيع أَنْ أَقُول لَك كَمَا أَقُول لِرَبِّي يَوْم أَقِف بَيْن يَدَيْهِ رَافِعًا إِلَيْهِ ظلامتها إِنَّهَا بَرِيئَة مِمَّا رَمَوْهَا بِهِ

<<  <   >  >>