وَصَوَّرَتْ لَهَا اَلْحَيَاة بِصُورَة غَيْر صُورَتهَا اَلْأُولَى فَأَصْبَحَتْ تَعَاف اَلرِّجَال لِأَنَّهُمْ سَبَب سُقُوطهَا وَتَسْتَنْكِر سُقُوطهَا أَكْثَر مِمَّا اِسْتَنْكَرَتْهُ مِنْ قَبْل لِأَنَّهُ سَبَب مَرَضهَا وَلَا تَأَسُّف عَلَى مَا فَاتَهَا مِمَّا فِي أَيْدِي اَلنَّاس لِأَنَّهَا تَعِيش مِنْ مَال اَلدُّوق فِي نِعْمَة لَا يَطْمَع طَامِع فِي أَكْثَر مِنْهَا وَرُبَّمَا خَطَرَ لَهَا أَنَّ حَيَاتهَا مَعَ هَذَا اَلشَّيْخ اَلْهَرِم اَلَّذِي لَا يَطْمَع مِنْهَا فِي أَكْثَر مِنْ أَنْ يَرَاهَا تَشَبُّه حَيَاة اَلْعَذَارَى اَلطَّاهِرَات اَللَّوَاتِي يَنْعَمْنَ بِنِعْمَة اَلشَّرَف فِي ظِلَال آبَائِهِنَّ فَأَعْجَبَهَا هَذَا اَلْخَيَال وَلَذَّ لَهَا وَكَثِيرًا مَا بَكَتْ ذَلِكَ اَلشَّرَف قَبْل اَلْيَوْم وَحَنَّتْ إِلَيْهِ.
اِنْقَضَتْ أَيَّام اَلْخَرِيف وَأَقْبَلَتْ أَيَّام اَلشِّتَاء وَسَالَتْ اَلْأَجْوَاء بَرْدًا وَقَّرَا فَثَارَ مَا كَانَ كَامِنًا مِنْ دَاء مَرْغِرِيت وَعَاد إِلَيْهَا نَفَثَهَا وسعالها فَظَلَّتْ تُكَابِد مِنْ مَرَضهَا آلَامًا جِسَامًا لَا تَفَرُّقهَا يَوْمًا حَتَّى تُعَاوِدهَا أَيَّامًا فَإِنْ أَلَمَّتْ بِهَا أَلْزَمَتْ سَرِيرهَا لَا تُفَارِقهُ وَإِنْ رَوَّحَتْ عَنْهَا بَرَزَتْ إِلَى اَلْخَلَاء فِي بكور اَلْأَيَّام وأصائلها تَطَلَّبَ اَلْهَوَاء اَلطَّلْق وَالْجَوّ اَلنَّقِيّ وَرُبَّمَا ذَهَبَتْ فِي بَعْض لَيَالِيهَا إِلَى مَلْعَب اَلتَّمْثِيل لِتَتَفَرَّج مَا هِيَ فِيهِ فَتَخْلُو بِنَفْسِهَا فِي مَقْصُورَتهَا سَاعَة أَوْ سَاعَتَيْنِ ثُمَّ تَعُود إِلَى مَنْزِلهَا.
وَكَانَتْ لَا يَزَال تَرَى فِي اَلْمَقْصُورَة اَلْمُجَاوِرَة لِمَقْصُورَتِهَا كُلَّمَا ذَهَبَتْ إِلَى اَلْمَلْعَب فَتَى فِي زِيّ أَبْنَاء اَلْأَشْرَاف وَشَمَائِلهمْ لَا يَزَال يخالسها النطر مِنْ حِين إِلَى حِين فَيَنْظُر إِلَيْهَا إِنْ غَضَّتْ عَنْهُ وَيَقْضِي عَنْهَا إِنْ نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَلَا يَلْتَقِي نَظَرهَا بِنَظَرِهِ حَتَّى يتلهب وَجْهه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute