رَحِمَتْك اَللَّهُمَّ فَإِنِّي أَخَشِيَ أَنْ أُحِبّهُ.
لَقَدْ أَحْبَبْته مِنْ حَيْثُ لَا تَدْرِي فَإِنَّ اَلْخَوْف مِنْ اَلْحُبّ هُوَ اَلْحُبّ نَفْسه بَلْ شَعَرَتْ فِي حُبّه بِسَعَادَة لَمْ تَشْعُر بِمِثْلِهَا مِنْ قَبْل فَأَصْبَحَتْ تَسْتَقْبِلهُ كُلّ يَوْم فِي مَنْزِلهَا وَتَأْنَس بِهِ وَبِحَدِيثِهِ أَنَا كَثِيرًا وَتَقْضِي إِلَيْهِ بِذَات نَفْسهَا إِفْضَاء اَلصَّدِيق إِلَى صَدِيقه وَتَقَصٍّ عَلَيْهِ قِصَّة مَاضِيهَا وَحَاضِرهَا وَلَا تُكَذِّبهُ شَيْئًا وَلَا تَكْتُم عَنْهُ أمرأ ثُمَّ تَرَامَى بِهَا اَلْأَمْر حَتَّى أَصْبَحَتْ تَشْعُر بِالْوَحْشَةِ إِنْ تُخْلِف عَنْ مِيعَاد زِيَارَته بِضْع دَقَائِق ثُمَّ حَدَثَ أَنْ اِنْقَطَعَ عَنْ زِيَارَتهَا ثَلَاثَة أَيَّام لِأَمْر عَرْض لَهُ لَمْ يَتَمَكَّن مِنْ إِخْبَارهَا بِهِ فَحَزِنَتْ لِانْقِطَاعِهِ حُزْنًا عَظِيمًا وَذَهَبَتْ بِهَا اَلْوَسَاوِس وَالظُّنُون كُلّ مَذْهَب ثُمَّ ذَكَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ اَلْحُزْن وَهَذَا اَلْوَسَاوِس لَيْسَ مِنْ شَأْنهَا قَبْل اَلْيَوْم فَقَلِقَتْ لِذَلِكَ قَلَقًا شَدِيدًا وَخَفْق قَلْبهَا خَفْقَة اَلرُّعْب وَالْخَوْف وَعَلِمَتْ أَنَّهَا قَدْ وَقَفَتْ عَلَى حَافَّة اَلْهُوَّة وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَتَرَدَّى فِيهَا فَسَهِرَتْ لَيْلَة طَوِيلَة عَالَجَتْ فِيهَا نوازع اَلنَّفْس وَخَوَالِجهَا مَا عَالَجَتْ حَتَّى أَصْبَحَ اَلصَّبَاح وَقَدْ أَضْمَرَتْ فِي نَفْسهَا أَمْرًا.
جَاءَ أَرْمَان فِي صَبَاح اَلْيَوْم اَلرَّابِع فَوَجَدَهَا طَرِيحَة فِرَاشهَا وَفِي عَيْنَيْهَا حُمْرَة اَلْبُكَاء وَالسَّهَر فَارْتَاعَ لِمَنْظَرِهَا وَقَالَ لَهَا لَعَلَّك سَهِرْت بِالْأَمْسِ كَثِيرًا يَا سَيِّدَتِي أَوْ بَكَيْت فَإِنِّي أَرَى فِي عَيْنَيْك أَثَر وَاحِد مِنْهُمَا قَالَتْ هُمَا مَعًا يَا أَرْمَان قَالَ وَهَلْ حَدَثَ شَيْء جَدِيد ? قَالَتْ اِجْلِسْ بِجَانِبِي قَلِيلًا أَيُّهَا اَلصَّدِيق أُحَدِّثك حَدِيثًا قَصِيرًا وَرُبَّمَا كَانَ آخَر حَدِيث بَيْنِي وَبَيْنك ثُمَّ لَا أَرَاك بَعْد ذَلِكَ وَلَا تَرَانِي فَذُعِرَ ذُعْرًا شَدِيدًا وَدَاخِله مِنْ اَلرُّعْب وَالْهَوْل مَا مَلَكَ عَلَيْهِ عَقْله وَلِسَانه فَلَمَّ يَسْتَطِيع أَنْ يَقُول شَيْئًا وَسَقَطَ بِجَانِبِهَا وَاهِيًا متضعضعا وَظَلَّ يَنْظُر إِلَى وَجْههَا نَظَر اَلْمُتَّهَم إِلَى وَجْه قاصيه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute