للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اَلْأَوْرَاق اَلَّتِي أُرْسِلهَا إِلَى مَرْغِرِيت عَائِدَة إِلَيْهِ كَمَا هِيَ وَلَيْسَ مَعَهَا كَلِمَة وَاحِدَة فَحَاوَلَ أَنْ يُعِيدهَا إِلَيْهَا مَرَّة أُخْرَى فَمَنَعَهُ أَبُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ قَدْ وَعَدْتنِي أَلَّا تُخَالِفنِي فِي أَمْر بُدّ لَك مِنْ اَلْإِذْعَان فَأُذْعِن ثُمَّ سَافَرَا مَعًا تِلْكَ اَللَّيْلَة إِلَى نيس.

وَكَذَلِكَ قُضِيَ اَللَّه أَنْ يَفْتَرِق ذَلِكَ اَلصَّدِيقَانِ اَلْوَفِيَّانِ وَالْعَاشِقَانِ اَلْمُخْلِصَانِ فَعَادَ اَلْفَتِيّ إِلَى أَحْضَان أَبِيهِ وَعَادَتْ اَلْفَتَاة إِلَى حَيَاتهَا اَلْأُولَى اَلَّتِي كَانَتْ تَأْبَاهَا اَلْإِبَاء كُلّه وَتَخَافهَا اَلْخَوْف اَلشَّدِيد وَفِي نَفْس كُلّ مِنْهُمَا مِنْ اَلْوَجْد بِصَاحِبِهِ وَالْحَسْرَة عَلَيْهِ مَا لَا تَلِيه اَلْأَيَّام وَلَا تَنْتَقِص مِنْهُ اَلسُّنُونَ وَالْأَعْوَام.

اَلْأَشْقِيَاء فِي اَلدُّنْيَا كَثِير وَأَعْظَمهمْ شَقَاء ذَلِكَ اَلْحَزِين اَلصَّابِر اَلَّذِي قَضَتْ عَلَيْهِ ضَرُورَة مِنْ ضَرُورِيَّات اَلْحَيَاة أَنْ يَهْبِط بِآلَامِهِ وَأَحْزَانه إِلَى قَرَارَة نَفْسه فَيُوَدِّعهَا هُنَاكَ ثُمَّ يُغَلِّق دُونهَا بَابًا مِنْ اَلصَّمْت وَالْكِتْمَان ثُمَّ يَصْعَد إِلَى اَلنَّاس بَاشّ اَلْوَجْه بَاسِم اَلثَّغْر متطلقا مُتَهَلِّلًا كَأَنَّهُ لَا يَحْمِل بَيْن جَنْبَيْهِ هَمًّا وَلَا كَمَدًا:

ذَلِكَ كَانَ شَأْن مَرْغِرِيت بَعْد عَوْدَتهَا إِلَى حَيَاتهَا اَلْأَوْلَى فَقَدْ أَصْبَحَتْ تَعِيش مَعَ اَلنَّاس بِصُورَة غَيْر اَلصُّورَة اَلَّتِي تَعِيش بِهَا مَعَ نَفْسهَا أَمَّا حَيَاتهَا مَعَ اَلنَّاس فَحَيَاة ضَاحِكَة لَاعِبَة مَرِحَة وَثَابِتَة تُضِيء اَلْمَجَامِع وَالْمَحَافِل وَتَمْلَأ اَلْأَنْظَار وَالْأَسْمَاع فَإِذَا ضَمَّهَا مَخْدَعهَا وَخَلَا لَهَا وَجْه اَللَّيْل مَرَّتْ أَمَام عَيْنَيْهَا صُورَة تِلْكَ اَلسَّاعَات اَلسَّعِيدَة اَلَّتِي قَضَتْهَا بِجَانِب أَرْمَان ثُمَّ ذَكَرَتْ أَنَّهَا قَدْ أَفْلَتَتْ مِنْ يَدهَا إِفْلَات اَلطَّائِر مِنْ يَد صَائِده وَصَارَتْ بَعِيدَة عَنْهَا بَعْد اَلشَّمْس عَنْ يَد مُتَنَاوَلهَا وَأَنَّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ تَعِيش بَيْن أَقْوَام لَا تَعْرِفهُمْ

<<  <   >  >>