ثُمَّ لَبِثَتْ تَنْتَظِر حُضُوره أَيَّامًا طِوَالًا فَلَمْ يَأْتِ فَأُحْزِنهَا ذَلِكَ حُزْنًا شَدِيدًا وَسَاءَ ظَنّهَا بِهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسهَا أَنَّهُ قَدْ سَلَّاهَا وَاطْرَحْهَا وَأَصْبَحَ لَا يَعْبَأ بِهَا وَلَا يُبَالِي بِحَيَاتِهَا أَوْ مَوْتهَا وَسَعَادَتهَا أَوْ شَقَائِهَا وَكَانَتْ مُخْطِئَة فِيمَا ظَنَّتْ فَإِنَّ أَرْمَان لَمْ يَطَّلِع عَلَى اَلْكِتَاب اَلَّذِي أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِ مُنْذُ فَارَقَهَا فِي اَلْعَام اَلْمَاضِي وَسَافَرَ إِلَى نيس وَلَمْ يَسْتَطِعْ اَلْبَقَاء فِيهَا إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل ثُمَّ مَلِكه اَلضَّجِر وَأَحَاطَتْ بِهِ اَلْوَحْشَة وَضَاقَتْ فِي وَجْهه مَذَاهِب اَلسَّلْوَى فَاسْتَأْذَنَ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يُسَافِر إِلَى بَعْض بِلَاد اَلْمَشْرِق تَرْوِيحًا عَنْ نَفْسه وتفريحا مِنْ كُرْبَته فَأَذِنَ لَهُ فَسَافَرَ إِلَى اَلْإِسْكَنْدَرِيَّة فَأَقَامَ بِهَا بِضْعَة أَشْهُر كَاتِب أَبَاهُ فِيهَا قَلِيلًا ثُمَّ تَرَكَهَا وَأَخَذَ يَنْتَقِل فِي أَنْحَاء اَلْبِلَاد لَمْ يَنْزِل بِبَلْدَة حَتَّى يَطِير بِهِ اَلضَّجَر إِلَى غَيْره فَانْقَطَعَتْ رَسَائِله عَنْ أَبِيهِ فَأَصْبَحَ لَا يُعَلِّم مَكَان وُجُوده فَلِمَا أَرْسَلَتْ مَرْغِرِيت إِلَيْهِ كِتَابهَا فِي نيس قَرَأَهُ أَبُوهُ وَحَفَّظَهُ عِنْده وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُرْسِلهُ إِلَيْهِ وَمَرْغِرِيت لَا تَعْلَم بِشَيْء مِنْ ذَلِكَ فَحَزِنَتْ لِخَيْبَة أَمَلهَا حُزْنًا شَدِيدًا وَدُبّ اَلْيَأْس فِي قَلْبهَا رَبِيب اَلْمَوْت فِي اَلْحَيَاة وَوَقَعَ فِي نَفْسهَا أَنَّهَا سَتُخْرِجُ مِنْ اَلدُّنْيَا فَارِغَة اَلْيَد مِنْ كُلّ شَيْء حَتَّى مِنْ هَذِهِ اَلْأُمْنِيَة اَلَّتِي بَقِيَتْ فِي يَدهَا مِنْ بَيْن جَمِيع آمَالهَا اَلضَّائِعَة فَتُنْكِر شَأْنهَا وَاسْتَحَالَتْ جَالَهَا وَلَجَأَتْ إِلَى صَمْت طَوِيل لَا تَقُول فِيهِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا وَأَصْبَحَتْ تَنْظُر إِلَى نَفْسهَا وَإِلَى مَا يُحِيط بِهَا مِنْ اَلْأَشْيَاء كَأَنَّهَا تَنْظُر إِلَى شَيْء تَنَكُّره وَلَا تَعَرُّفه فَرُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا طَبِيبهَا وَهِيَ فِي أَشَدّ حَالَات أَلَمهَا فَلَا تَشْكُو لَهُ أَلَمًا أَوْ سَمِعَتْ ضَوْضَاء اَلدَّائِنِينَ وصخبهم مِنْ اَلرَّاحَة وَالسُّكُون رَكِبَتْ عَرَبَتهَا إِلَى بوجيفال فَزَارَتْ اَلْبَيْت اَلَّذِي قَضَتْ فِيهِ أَيَّام سَعَادَتهَا اَلذَّاهِبَة وَكَانَ لَا يَزَال بَاقِيًا عَلَى اَلصُّورَة اَلَّتِي تَرَكْتهَا عَلَيْهَا يَوْم فَارَقَتْهُ وَمَرَّتْ بِغُرَفِهِ وَقَاعَاته وَجَلَسَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute