قال أحمد بن حنبل رحمه الله: هب المسيء قد عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟! قال ابن عباس: إن صغار هذه الأمة تعلموا من كبارها في صدر الإسلام، وسيجيء زمان يتعلم كبارها من صغارها.
وقال معاوية يوماً على المنبر: يا أهل الشام، ما أنتم بخير من أهل العراق، ثم ندم فتداركها فقال: إلا أنكم أعطيتم بالطاعة وحرموا بالمعصية.
قال المدائني: كان ملك له وزير صالح في قديم الزمان لا يأمر إلا بالخير ولا يحض إلا على الجميل، وكان الملك عاتياً جباراً يمقت النسك ويقلي النساك، وكان الوزير بخلاف ذلك يقربهم ويصلهم ويتلبس بهم، فحسده قرابة الملك، فأتوا الملك وقالوا: إن هوى وزيرك في إخراجك من ملكك، فقال الملك: وما آية ذلك؟ قالوا: شاوره وقل: إني عزمت على أن أخلع ملكي وألحق بالعزاز والشعاب، وأصحب النساك وأعبد الله رب الخلق، فإنك ستجد عنده قبولاً لهذا الرأي وتحسيناً له ورضى به، وإنما ينتهز لذلك الفرصة التي هو راقبها، وحينئذ تقف على صدق مقالنا؛ ففعل الملك ذلك فرأى غير ما كانوا قالوا، وبان للوزير في وجه الملك، وعلم أنه دهي من حيث لا يعلم، فانصرف على حزن قد خامره، وكآبة قد أخذت بكظمه. وقد كان مر في بعض مسيره برجل ظاهر الزمانة فقال: أيها الوزير ضمني إليك فإن لك عندي ما تحب، قال: وما ذاك؟ قال: أنا رجل أرتق الكلام، قال: وما رتق الكلام؟ قال: إذا وجدت فتقاً رتقته، قال: أنا أفعل ذلك، وإن لم يكن عندك نفع،