وأنشدنا الشيخ عفيف الدين المذكور وأنا حاضر في آخر الخامسة في يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ست وثمانين وستماية، بالروضة الشريفة تجاه الحجرة المعظمة، لنفسه، وقد كتب إليه بعض أصحابه ورفقائه في طلب العلم بالبصرة يعتبه على مقامة بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم:
إليك -رعاك الله- لا زلت منعما ... ومن غير الدهر الخؤون مسلما
كتبت ولولا حب ساكن طيبة ... لوافاك شخصي دون خطي مسلما
ولكنني أصبحت رهن صبابةٍ ... بجيرة سلعٍ والعقيق متيما
ولي بالنقا لا زلت جار أهليه ... قديم هوى في حبه القلب خيما
وبين ثنيات الوداع إلى قبا ... لقلبي أسرارٌ أبت أن تكتما
وبالحرم المأنوس آنست نسمةً ... لأنسى بها أنسيت سلمى وكلثما
وكم فاح لي من طيب طيبة نفحة ... ألذ من الإثراء لمن كان معدما
وكم حزت من فضلٍ بمسجد أحمدٍ ... وبالروضة الزهراء كم نلت أنعما
أروح وأغدو بين قبرٍ ومنبرٍ ... قلوب الورى شوقاً تطير إليهما
أقوم تجاه المصطفى ومدامعي ... على الخد تجري فرحةً لا تندما
وأبلغه مني السلام مشافهاً ... ويا فوز من أضحى عليه مسلماً
فلي كل يوم موسمٌ متجددٌ ... بقرب رسول الله يتبع موسما
لعمرك هذا الفخر لا فخر من غدا ... يرى معرقاً في الظاعنين ومشائما
ولم أك أهلاً للوصال وإنما ... تطفلت تطفيلاً فألفيت منعما
وجاورت خير العالمين محمداً ... أبا القاسم الهادي العظيم المعظما
أعز الورى جاهاً وأغزرهم نداً ... وأوسعهم حلماً وأمنعهم حما
فلا القلب مني بالبصيرة مولعٌ ... ونار اشتياقي نحوها لن تضرما