٢٣- أنا أحمد بن مروان، نا ابن أبي الدنيا، قال: سمعت محمد بن الحسين يقول:
قدمت قدمةً مكة، فبينا أنا أطوف في السحر، إذ الناس يقولون: قد جاء، قد جاء العنبري الزاهد، فإذا أعرابي جلف المنظر، دخل الطواف، فطاف سبعة أشواطٍ، وركع خلف المقام، ثم أتى الملتزم، فرفع يديه وهو يقول: سبحان راحم رنة المساكين، وقابل التوبة، والمتفضل بها على المسرفين، الذين أفاض عليهم من سيوب تفضله، وأهطل عليهم من سماء بذله، وفوائد نعمه وجزيل إحسانه، ما أعجزت البرية عن شكره، والقيام بأداء حقه إلا بمعونته.
سبحان الذي لم يمنع العباد أسباب التوبة، ولم يعيرهم لما أنابوا إليه بما أجرموا من الحوبة، ولم يعجل عليهم بالنقم، وهو يراهم يتمرسون بمعاصيه لغضبه، وهو في ذلك يستر عليهم بستره، ويتوددهم بإنعامه، ويتحبب إليهم بدوام إحسانه، ثم فتح لهم برحمته أبواب رحمته، ودعاهم إلى ما شوقهم إليه بحسن موعظته، فقال لمسرفي عباده:{لا تقنطوا من رحمة الله} وقال: ⦗٣٦⦘ {وإذا سألك عبادي عني فأني قريبٌ أجيب} وقال: {ادعوني أستجب لكم} .
فسبحان من يتقرب إلى من يتباعد منه، ويتحبب بالنعم إلى من يتبغض بالمعاصي إليه، فأحب عباده إليه، أسألهم لما لديه.
إلهي، أنا عبدك وابن عبيدك، ها أنا قائمٌ بين يديك، متوسلٌ بكرمك إليك، لا ينزلني عن مقامٍِ أقمتني فيه، ولا ينقلني إلى موقف سلامةٍ من نعمك إلا أنت، أتنصل إليك مما كنت أواجهك به من قلة استحيائي من نظرك، وأستغفرك من ذنوبي التي ابتزت قلبي حلاوة ذكرك، وأطلب العفو منك، إذ العفو نعتٌ لكرمك.
يا من يعصى ويرضى كأنه لم يعص، يا حناناً لشفقته على عباده، ومناناً بلطفه، [ومتجاوزاً] بعطفه على خلقه، طهر قلبي من أوساخ الغفلة، [وانظر إلي نظرك] إلى من ناديته فأجابك، واستعملته [بمعونتك فأطاعك] .
صل على محمد عبدك ورسولك، وهب لي [صبراً ويقيناً، واغفر] ذنبي العظيم، وتجاوز لي عن سيئاتي، يا أرحم [الراحمين] .
[قال:] فمشيت معه حتى عرفت موضعه، فكتبت عنه هذا [الدعاء، وغير هذا] مما كان يدعو به عند الملتزم في أوقاته.