للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا المعنى الآيات المذكورة آنفًا في الملك وهود والكهف. والغرض الشرعي المراد من طاعة الله وعبادته والخضوع له وتعظيمه، يحصل بفعل السعداء دون الأشقياء، كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله في الأنعام: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩)}. وقوله تعالى في فصلت: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)}.

واختار ابن جرير الطبري رحمه الله -ومعلوم أنه من كبار المفسرين، وقال بعض العلماء: هو كبير المفسرين (١) - أن معنى الآية: {إلا لِيَعْبُدُونِ} أي: ليقروا لي بالعبودية، ويخضعوا ويذعنوا لذلك، فالمؤمنون يذعنون طوعًا، والكفار يذعنون كرهًا، وهو قول ابن عباس (٢).

وقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)}.

وما يزعمه كثير من متأخري المفسرين (٣) من أن اللام في {لِيَعْبُدُونِ} للصيرورة، لا أصل له؛ وهو مبنيٌّ على شيء مذكور في علم الكلام، لا يشك عالم بكتاب الله منصف في بطلانه، كما أوضحناه مرارًا (٤)، وقد


(١) بل قال الدكتور محمد حسين الذهبي إنه يعتبر أبًا للتفسير. انظر كتابه: التفسير والمفسرون: ١/ ٢٠٦.
(٢) وقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، انظر: تفسير الطبري: ١٢، ٢٧، وتفسير البغوي: ٤/ ٢٣٥. وانظر: أضواء البيان: ٧/ ٦٧٢.
(٣) كالشيخ سليمان الجمل، والصاوي في حاشيتهما على الجلالين. انظر: حاشية الجمل: ٤/ ٢١٠، وحاشية الصاوي: ٤/ ١٠٩.
(٤) لم يبين الشيخ شيئًا من ذلك في تفسيره الأضواء عند الكلام على هذه الآية، ولا في =

<<  <  ج: ص:  >  >>