للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد رأيت في بالآيات القرآنية بعض حِكَم خلق الله تعالى لخلقه ورزقه لهم. ومعلوم أن من أسمائه "الخالق"، ومن أسمائه "الرزاق".

ومعلوم أن أسماءه أزلية لا أول لها، وبالجملة فإيضاح هذا المبحث كله هو أن الله جل وعلا غني عن الخلائق كلهم، وقد اقتضت حكمته أن يخلق السموات والأرض ونحوهما ليقيم بذلك برهانًا قاطعًا على كمال قدرته وعظمته وأنه المعبود وحده، وخلق العقلاء كلهم لتلك الحكمة، ولحكم أخرى عظيمة، وهي أنه يأمرهم وينهاهم على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، ثم يوفق فريقًا منهم، وهم أهل الجنة، ولم يفعل ذلك لغيرهم، وهم أهل النار، وقد أشار تعالى إلى أن اختلافهم إلى شقي وسعيد من الحكم التي خلقهم لأجلها في سورة هود في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [الآيتان: ١١٨ - ١١٩].

والتحقيق أن الإشارة في قوله: {وَلِذَلِكَ} راجعة إلىِ اختلافهم إلى شعي وسعيد (١)، المذكور في ضمن قوله: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، ولذا ذكر بعده مصير فريق الأشقياء بقوله: {خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} الآية [١١٩].

والاختلاف المذكور في آية هود هذه، هو المذكور في التغابن في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [الآية: ٢].

وفي الشورى (٢) في قوله تعالى: {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي


(١) انظر: تفسير الطبري: ١٢/ ١٤٤، ودفع إيهام الاضطراب: ١٥٨.
(٢) في الأصل: "شورى"، بالتنكير.

<<  <  ج: ص:  >  >>