للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مشركون، والمغايرة التي سوغت عطف بعض المشركين على بعض، هي اختلافهم في نوع الشرك، فشرك المشركين غير أهل الكتاب، كان شركًا في العبادة، لأنهم يعبدون الأوثان، وأهل الكتاب لا يعبدون الأوثان، فلا يشركون هذا النوع من الشرك، ولكنهم يشركون شرك ربوبية، كما أشار له تعالى بقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية، ومن اتخذ أربابًا من دون الله فهو مشرك به في ربوبيته، وادعاء أن عزيرًا ابن الله والمسيح ابن الله من الشرك في الربوبية، [ولما كان الشرك في الربوبية] [١] يستلزم الشرك في العبادة، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

وما ذكرتم من أن عطاءً رحمه الله جعل المسجد يشمل (الكل) [٢] (١)، وأن المسلمين درجوا على ذلك إلى الآن، فهي مسألة: هل يجوز دخول الكفار لمسجد من مساجد المسلمين غير المسجد الحرام المنصوص على منع دخولهم له بعد عام تسع من الهجرة في قوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: ٢٨].

والعلماء مختلفون: هل يجوز دخول الكفار مسجدًا غير المسجد الحرام أو لا؟

فذهب مالك وأصحابه ومن وافقهم (٢) إلى أنه لا يجوز أن يدخل


(١) أخرجه عنه عبد الرزاق في المصنف: ٦/ ٥٢، ٥٣، وابن أبي حاتم: ٦/ ١٧٧٦، وابن جرير: ١١/ ٣٩٨، والنحاس في الناسخ والمنسوخ: ٢/ ٤٢٨.
وانظر: تفسير القرطبي: ٨/ ١٠٤، وفتح الباري: ٣/ ٦٤.
(٢) ممن ذهب إلى هذا من الصحابة عمر وأبو موسى الأشعري - رضي الله عنهما -. انظر: أحكام أهل الذمة: ١/ ١٩١، والناسخ والمنسوخ للنحاس: ٢/ ٤٢٩، والذخيرة للقرافي: ١/ ٣١٥، وتفسير القرطبي: ٨/ ١٥٤، وفتح الباري لابن رجب: ٣/ ٥٦٣.

[١] قال معد الكتاب للشاملة: ما بين المعقوفين ساقط من المطبوع، وزيادة من (أ).
[٢] قال معد الكتاب للشاملة: في (أ): الحل. وكتب المعلق على نسخة (أ) حاشية على هذا الموضع فقال: هكذا بالأصل، وفي (أ): (الكل)، وهي مذكورة في نص سؤال الشيخ محمد الأمين بن محمد الخضر رحمه الله: "الحل"، ويوهم رسمها كذلك: "الكل". ولعل الشيخ -رحمه الله- يريد (الحرم) بدليل أن الذي ورد عن عطاء حول هذا المعنى أخرجه عبد الرزاق (٩٩٨٠، ٩٩٨١، ١٩٣٥٦)، وابن جرير في تفسيره (١١/ ٣٩٨)، وابن أبي حاتم (٦/ ١٧٧٦)، والنحاس في ناسخه (ص ٤٩٧)، من طريق ابن جريج، وفيه أنه قال: "الحرم كله قبلة ومسجد، قال: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} لم يعن المسجد وحده، إنما عنى مكة الحرم"، وقال عطاء في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} "الحرم كله" كما في المصنف لعبد الرزاق (٥/ ١٥١)، وبنحو هذا جاء عن عمرو بن دينار؛ أخرجه عبد الرزاق (٦/ ٥٢)، والنحاس في ناسخه (ص ٤٩٧)، وورد أيضًا عن ابن عباس، ومجاهد وغيرهما، راجع: أخبار مكة للأزرقي (٢/ ١٠٦، ١٣٨، ١٣٩)، والفاكهي (٣/ ٣٦٥)، والدر المنثور (٤/ ٦٣١) -رحم الله الجميع-.

<<  <  ج: ص:  >  >>