أما الاعتراض على الدليل بالقادح المعروف بالكسر، بسبب وجود الحكمة دون الحكم: فكأن يقول الحنفي: المسافر العاصي بسفره يترخص بقصر الصلاة، والإفطار في رمضان في سفره الذي هو عاصٍ به، قياسًا على المسافر غير العاصي.
فيقول المعترض مثلًا: ولم قلت إنه يترخص؟
فيقول: قلت ذلك للمناسبة؛ لأن السفر فيه مشقة، ووجود المشقة مناسب للتخفيف بالرخصة، ففيه انتفاع للمترخص وتسهيل عليه.
فيقول المعترض: دليلك هذا يقدح فيه بالكسر، وهو وجود الحكمة دون الحكم؛ لأن المقيم بالحضر إن كان يزاول أعمالًا شاقة كحمل الأثقال العظيمة، وما يوجب القرب من النار الشديد حرها في شدة القيظ في الأقطار الحارة، تلحقه بذلك مشقة أعظم من مشقة السفر.
فالحكمة موجودة وهي تخفيف المشقة بالترخيص له في القصر والإفطار، مع أن الحكم هنا معدوم، وهو جواز القصر والإفطار.
ومن هنا تعلم أنه في هذه الصورة لا يجوز التعليل بالحكمة، ولو كان التعليل يجوز بها هنا لكان صاحب الصنعة الشاقة في الحضر يفطر في رمضان، ويقصر الصلاة.
والقدح بهذا الكسر مردود في هذه الصورة؛ لأن الوصف المعلل به فيها -وهو السفر- معدوم من أصله كما ترى، فعدم وجود الحكم هنا لعدم وجود الوصف المعلل به؛ لأن صاحب الصنعة المذكورة في الحضر لا يوجد فيه الوصف المعلل به وهو في السفر.