للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

مدلوليهما، فالساعي في المسعى الأعلى الجديد لا يصدق عليه أنه ساع بين الصفا والمروة، وإنما هو ساعٍ فوقهما، والساعي فوق شيئين ليس ساعيًا بينهما؛ للمغايرة الضروية بين معنى "فوق" و"بين" كما ترى.

ويزيد هذا إيضاحًا ما ثبت في الصحيح من حديث عائشة المرفوع -وإن ظن كثير من طلبة العلم أنه موقوف عليها - فقد روى البخاري عنها في جوابها لعروة بن الزبير في شأن السعي بين الصفا والمروة أنها قالت ما لفظه: "وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما" (١). انتهى محل الغرض منه بلفظه.

فتأمل قولها وهي هي: "وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الطواف بينهما"، وقولها: "فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما". وتأمل معنى لفظة "بين" يظهر لك أن مفهوم كلامها أن من سعى فوقهما لم يأت بما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ذلك ليس له. وهذا المعنى ضروري للمغايرة الضرورية بين الظرفين أعني "فوق" و"بين". وفي لفظ عند مسلم عنها أنها قالت: "ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة" (٢) انتهى محل الغرض منه، وهو يدل على أن من طاف فوقهما لا يتم الله حجه ولا عمرته؛ لأن الطائف فوقهما يصدق عليه لغة أنه لم يطف بينهما، وفي لفظ لمسلم عنها أنها قالت: "فلعمري ما أتمّ الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة" (٣). وقد علمت أن الساعي فوقهما لم يطف بينهما. وقد أقسمت على أن من لم يطف بينهما لا يتم حجه كما ترى.


(١) الصحيح مع الفتح: ٣/ ٤٩٨، ومعناه في مسلم: (١٢٧٧) اللفظ الثالث.
(٢) صحيح مسلم: (١٢٧٧) اللفظ الأول.
(٣) صحيح مسلم: (١٢٧٧) اللفظ الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>