للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا تقوم بإلا بجسم (١) ، ثم منهم من قال: إنه صار يتكلم بمشيئته، بعد أن لم يكن يتكلم بمشيئته، وهؤلاء منهم من قال: الكلام لا يقوم به، فيكون مخلوقا بائنا عنه، ومنهم من قال: بل يقوم بذاته، فيكون جنس كلامه حادثا، والذين وافقوا السلف على أنه لم يزل متكلما وافقوا الجهم على أصله، قالوا: إن كلامه قديم العين، وهو لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل هو لازم لذاته كالحياة، ثم من هؤلاء من قال: إنه معنى واحد، هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي، وهو معنى التوراة. والإنجيل، والزبور وكل كلام يكلم به عبادة المؤمنين، ملائكته وغيرهم.

ومنهم من قال: بل هو حروف، أو حروف وأصوات أزلية، لم تزل ولا تزال لازمة لذاته، لا تتعلق بمشيئته وقدرته فهذه الطوائف الأربعة قد دخل في كل طائفة كثير من أهل النظر المعدودين من أكابر النظار، وأهل العلم، الناصرين للإسلام، أو للإسلام، والسنة وأصل أمرهم موافقتهم لجهم على قوله بامتناع دوام الحوادث، وأن الله يمتنع أن يكون لم يزل متكلما إذا شاء، فعالا لما يشاء، فوافقوه على أن كلام الرب (٢) وفعله يمتنع أن يكون دائما بقدرته، ومشيئته، وعلى أن يمتنع أن يكون كلمات الله لا نهاية لها، وقد قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} إلى قوله: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (٣) .


(١) هذه هي الطريقة التي سلكها المبتدعة في تنزيه الرب، وهي لا تصح شرعا ولا عقلا، وقد ناقش شيخ الإسلام هذا المسلك، وبين بطلانه - انظر: كتاب "الصفدية" ٢/٣٣-٥٣، وكلامه هنا واضح في الحكم بتخطيئته ورده.
(٢) فوقه بالأصل "الله" مشارا إلى كونه هكذا في نسخة أخرى.
(٣) سورة الكهف، الآية: ١٠٩.

<<  <   >  >>