بالمدينة على المنصور، وكان أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة على صدقات أسد طيء؛ فقدم على محمد بن عبد الله بأربعة وعشرين ألف دينار، فدفعها إليه؛ فكانت قوة لمحمد بن عبد الله؛ فلما قتل محمد بن عبد الله بالمدينة - قتله عيسى بن موسى - قيل لأبي بكر:" اهرب! " قال: " ليس مثلي يهرب! " فأخذ أسيراً، فطرح في حبس المدينة، ولم يحدث فيه عيسى بن موسى شيئاً غير حبسه؛ فولى المنصور جعفر بن سليمان المدينة، وقال له:" إن بيننا وبين أبي بكر بن عبد الله رحماً، وقد أساء وقد أحسن؛ فإذا قدمت عليه، فأطلقه وأحسن جواره "، وكان الإحسان الذي ذكر المنصور من أبي بكر: أن عبد الله بن الربيع الحارثي قدم إلى المدينة بعدما شخص عيسى بن موسى، ومعه جند، فعاثوا بالمدينة وأفسدوا؛ فوثب عليهم سودان المدينة والصبيان والرعاع والنساء، فقتلوا فيهم، وطردوهم، وانتهبوا عبد الله بن الربيع وجنده؛ فخرج عبد الله بن الربيع حتى نزل بئر المطلب في طريق العراق، على خمسة أميال من المدينة؛ وعمد السودان، فكسروا السجن، وأخرجوا أبا بكر، وحملوه حتى جاؤوا به المنبر، وأرادوا كسر حديده؛ فقال لهم:" ليس على هذا فوت، دعوني حتى أتكلم ". فقالوا له:" فاصعد المنبر وتكلم "، فأبى وتكلم أسفل المنبر؛ فحمد الله وأثنى عليه، وصل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثم حذرهم الفتنة، وذكر لهم ما كانوا فيه، ووصف عفو الخليفة عنهم، وأمرهم بالسمع والطاعة؛ فافترق الناس على كلامه؛ فاجتمع القرشيون، فخرجوا إلى عبد الله بن الربيع؛ فضمنوا له ما ذهب له ومن جنده؛ وتأمر على السودان أحدهم، زنجي يقال له وثيق؛ فمضى إليه محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة؛ فلم يزل يخدعه محمد بن عمران حتى دنا إليه، فقبض عليه، وأمر من معه، فأوثقوه؛ فشد في الحديد؛ ورجع عبد الله بن الربيع، وطلبوا ماذهب من متاعه؛ فردوا ما وجدوا منه، وغرموا لجنده؛ وكتب بذلك إلى المنصور؛ فقبل منهم. ورجع ابن سبرة أبو بكر بن عبد الله إلى الحبس، حتى قدم