ويملأ النفس دهشة وروعة، وفي الصباح الباكر توجهنا للصيد وبقى عبد الله بك وسليمان بك بالسير مع الجمال، واتفقنا أن نلتقي عصرا على بئر جندلي.
خرجنا من وادي دجلة مع بزوغ الشمس وأخذنا طريقنا فوق الهضاب وفي الأودية متوغلين شرقا لا نتبع طريقا معينة، وكان في القيادة حسن بك وهو صياد ماهر خفيف الجسم رشيق الحركة بصير بالصيد وضروبه. وبعد قليل أقبلنا على واد وافر العشب فا بصرنا أرنبا يقطع عرض الوادي بسرعة البرق يتلوه ثان وثالث، وفي لمح البصر اختفت وراء الصخور وكان لمنظرها وهي تعدو أثر مدهش في الجماعة، فاندفعوا وراءه لا يلوون على شيء، وفي المقدمة حسن بك ينهب الأرض نهبا كأنه الجواد في حلبة السباق. وفي لحظات توسطنا الوادي وبدأت المطاردة، وما أن رأتنا الأرانب حتى قفزت إلى وهدة ثم مرقت كالسهم إلى أخدود، ثم تسلقت الجبل ونحن في أثرها نتبعها من غير هوادة، نرتقي الهضاب ارتقاء، ونلقي بأنفسنا من الجبال إلى السهول إلقاء، وإشارات القائد تقذف بنا يمينا أو يسارا، طورا مقبلين وطورا مدبرين، مرة في صياح وجلبة، ومرة في حذر وسكوت، تارة نعلو وتارة نهبط، وهكذا كانت تستمر المطاردة ساعات متواليات والحيوان التعس ينتقل من ساحة إلى ساحة، يطلب النجاة وراء الصخور وفي الصدوع وفوق الربى وتحت الأرض، ونحن وراءه نحاول دفعه إلى السهل وهو يأبى الا الوعر، تقوده غريزة البقاء فان اخطأ المسكين التقدير وحم القضاء ضاق النطاق وعز الفرار وتلقفته نيران البنادق من كل صوب فيخر صريعا ضاربا أعلى المثل في الزوغان والعناد، والصبر على الجهاد. وقد بلغ حماس القوم في المطاردة هذا اليوم حد الجنون، وكاد يقضي على أحدنا، وهو أحمد بك بالموت على أبشع صورة لولا أن قدرت له السلامة، ذلك أنه اندفع وهو مأخوذ وراء غزالة فجرت الغزالة إلى جرف صاعد في جدار الجبل، فلحق بها وأطبق عليها ولكنها أفلتت منه، ولما انطلق وراءها انهار الجرف فهوى بجسمه من شاهق فتشبث بصخرة ناتئة وأصبح معلقا بين السماء والأرض.