للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقظة؟ فقد زال عنائي وغدوت مرحا فرحا نشطا، وبعد أن تناولنا فطورا ساخنا بسيطا ذهبت الجماعة بصحبة الدليل إلى الصيد وبقيت أنا ومحمد بك لنسير مع الجمال، وقد تواعدنا أن نلتقي ظهرا على بئر دجلة.

كان الصباح لطيفا منعشا، والشمس مشرقة، وقد وجدت في محمد بك خير صاحب، فقد كان لطيف المعشر حلو الحديث على علم بالصيد وطرق الجبال والأودية، فاستأنست به، واطمأنت نفسي إليه فاخذ يقص عليّ في حماس ونحن نسير الهوينى خلف الجمال ما وقع له في رحلاته السابقة من مخاطر عجيبة، ونوادر لطيفة، وبعد أن سرنا هكذا نحو ساعة ضاق الوادي وانتهى بنا إلى هضبة عالية فارتقيناها على مهل، وكان صعودنا على جرف في طريق لولبي شديد الانحدار، لا يزيد عرضه على القدم ومن تحته هوّة عظيمة، وقد اجتازت الجمال هذا المنحدر الوعر من غير مشقة، فكانت متزنة الخطوات متئدة متنبهة تحاذر السقوط أو الزلل، وبعد ساعة أخرى أخذنا نهبط وادياً عظيما كثير التعاريج جدرانه قائمة، وتقوم على جانبيه الروابي العالية، والقمم الشامخة، وقبل الظهر بساعة وصلنا بطن الوادي بسلام، واتجه سويلم إلى ناحية فيه وأناخ الجمال، أشار بيده إلى كوّة مرتفعة في الجدار الجنوبي للوادي يظللها نتوء من الجبل كبير البروز، وتكتنفها أحجار ضخمة تجعلها كالوكر في مأمن من الرياح والأمطار، وقال هنا نمضي الليلة، فحملنا إليها الغطاء وبعض الحاجات وفرشنا أرضها بسجادة واعددنا في ناحية منها موقداً جمعنا بالقرب منه عشبا جافا من شيح وشوك وطرفاء، ثم هيأ محمد بك للجماعة طعاما دسما من لحم مسلوق وأرز وخضار، وبعد الظهر بساعة أقبل الصيادون يحملون أرنبين كبيرين وقد لفحت الشمس وجوههم وبدا عليه التعب، وبعد أكلة شهية تفرقنا في الوادي نتفرج على مناظره الطبيعية البديعة، وتقع بئر دجلة على عشر دقائق من معسكرنا جهة الشرق في حضن شلال فخم يعله خانق جميل، والبئر في مسقط السيل وعمقها نحو ثلاثة أمتار تمتلئ بالماء وقت الأمطار ويفيض ماؤها وقت الجفاف، والوادي كثير العشب وافر الكلأ، يسبح في فضائه أنواع من العصافير والحدأة، وترعى فيه الإبل والماعز، وبعد الغروب عدنا إلى المعسكر وقد خيم الظلام واشتد البرد وشمل الوادي سكون موحش، وبعد العشاء آوينا إلى الفراش ونمنا ملء الجفون حتى قبل الفجر، وكان منظر الوادي في السحر فاتناً يستهوي الأفئدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>