الصحيح هذا التسامح الذي جر ما جر من تباغض وشنآن، وربا على ما خلفه لنا علماء أمس رحمهم الله، وزاد في الطين بلة، وربما تصبح الطريق بعد هذا زلقاً لا تصلح لسير الأقدام إلا بما لا يحمد، كما كان في العصور السالفة؛ وكان من الواجب أن يبادر إلى علاج هذه الناحية قبل فوت أوان العلاج، والحرية الصحافية ضربت أطنابها في البلاد، وخصوصاً في مصر، فأعجب أن يسأل صاحب المقتطف - مثلاً - عن الشيعة، فيجيب عنهم بما يعلم - وهو معذور - ولا يرد عليه واحد منهم وهو لا يأبى عن ذلك، ولا يأبى أن يزيد علمه فيهم. إذن بعد هذا لم لا أتقدم بنفسي لهذا الواجب؟
هذا سؤال وجيه، وعليّ أن أجيب عنه بكل صراحة وإخلاص: كم هناك من مباحث وددت كشف غطاء الحقيقة عنها - لو كنت من أهل ذلك - فأتقدم إلى القرطاس، وأحاول أن أجرد قلمي من لحاء التعقيب لعقيدتي التي نشأت عليها، وغذيتها في لبن التربية، لا أطلب الحقيقة بالبرهان، ولا أكون ممن يتطلب البرهان للعقيدة، ولكن أجد محاولتي الباطلة، فأبحث عن قلمي، فأراه قد تألف من مجموع قشور، وأخيراً لا أجد قلماً أحمله لأكتب به
وهكذا العقائد العامة ليس في وسع أحد أن يتجرد عن تبعتها مهما تخيل أنه سيذهب عنها ناحية، ولا بد أن تنزله لحضيضها، ويرغم على غذائها، فيما يكتب وفيما يعمل، فتتركز عليها أقواله وأفعاله، من حيث يدري ولا يدري؛ وعلم النفس يصدقني - وعلى الأقل لا يكذبني - في هذه الدعوى
ولا أعتقد أن امرءا استطاع أن يحرر نفسه من عقيدته، ما دامت له عقيدة يتمسك بها، أبى الأستاذ أحمد أمين أم لم يأب!
ولكني أرجو أن يوفقنا الله في جهاد سورة النفس في تعصبها، وقمع غلوائها، فيما إذا اعتقدنا بعظم النتيجة وفائدتها للجميع؛ وعسى أن نصيب هدف الحقيقة بعد حين بهذه الحيلة؛ وهذا هو الذي يطمئنني أن أنزل إلى هذا الميدان الوعر المسالك، ومن ورائي جمعية (منتدى النشر) تقبض على ناصيتي
ولقد كانت وجهة نظري القاصر - ولا بد أن تعرفها من حديثي المتقدم ومقالي السابق - أن نفتح لنا باباً للتفاهم في أصل عقائدنا وصحتها - مهما كان في ذلك من الخطورة - فندخل في بحث علمي أو تاريخي، كسائر أبحاثنا العلمية والتاريخية، ونتلقى النتائج بصدر