رحب، وذكرت في مقالي السابق: ما هي النقطة التي يجب اتباعها في البحث؟. وذاك هو الذي فهمته أيضاً من كلام الأستاذين محمد بك كرد علي وأحمد أمين في المرة الأولى، وعلى هذه النغمة حسست وتري، ومضيت مطرباً إلى حد بعيد وحقاً (إن البحث العلمي لا يمنع التفاهم والوئام، بل هو إذا نظر إليه النظر الواسع العالي سبب من أسباب الألفة)
إلا أني بعد هذا وجدتك - أيها الأستاذ - تذهب بعيدا وتنتقل مفاجأة إلى حديث عقد مؤتمر بين الطائفتين في العراق، فماذا تقصد من المؤتمر؟ وعلى أي خطة ولأي غاية يجب أن يسير؟ هذا الذي بعد لم أحط به علماً، ونزولاً عند رغبتك أدخل في الموضوع ما انفتح لي بابه:
لا شك أن عقد مؤتمر بين الطائفتين - على أي وجه يكون - لا يمكن التوصل إلى تحقيقه، بمجرد تفكير واحد واقتراح آخر وتأييد ثالث، مهما كان المفكر والمقترح والمؤيد فلابد أن يختمر في العقول بنقد ورد وبدرسه على جميع وجوهه حتى يستقر على فكرة واحدة ووجه واحد، ويعمم صوته الأسماع النائية والقريبة، ويساهم في درسه العالم والسياسي، ويقتنع به ولاة الأمور - ولا بد من اقتناعهم أو إقناعهم - كعمل لا بد منه، ثم تنتهز الفرص للعمل على تحقيقه، ويسعى بإخلاص لتأسيسه، على سنة الارتقاء والتدرج، أو كما قال معالي العلامة الشبيبي
خواطري اليوم أقوالي ومعتقدي ... غَداً وغرّة أعمالي وراء غد
لقد سمعنا بحديث هذا المؤتمر وسعى بعض رجالات الطائفتين لتأسيسه وسمعنا باختلاف التفكير في خططه، كل هذا سمعنا، واتضح لي مما سمعت ومما قرأت أيضاً أنه ما زال أمنية لم تشبع درساً وتدقيقاً؛ وكل عمل كبير مثل هذا لا بد أن يكون كذلك وأكثر. فلنفرض أن المؤتمر انعقد في العراق، واجتمع أعضاؤه لدرس خططهم، فعم يتساءلون؟
يدرسون مذهب الشيعة وأهل السنة - وعلى الأصح مذاهب المسلمين - وأسباب الخلاف بينهم، كأجانب على المذهبين، ثم يتفقون على الصحيح، أو قل على جوهر الإسلام الحقيقي الذي جاء به الرسول عن الله، ويطوحوا بالقشور وبما ألصق بالحنيفة إلصاقا - ولا بد أن يكون هناك لباب وقشور وحق وباطل لا محالة - ليحملوا الأمة الإسلامية جمعاء على الإسلام الصحيح، الذي يفهمه روح الإخلاص والبحث النزيه