حلم لذيذ! لو صدقناه لكنا خيرا منه ونعم الخلف الصالح. ولاسترحنا من آلاف الكتب التي ألفت في هذه الشؤون، وجرت على المسلمين الويل والثبور، وأضاعت من أوقات العلماء كل غالٍ ونفيس درساً وتأليفاً، فصرفتهم عن كل عمل ينفع الأمة ويجر إليها المغنم، طيلة هذه القرون
ولكن - بالله عليك - هل رأيت حلماً أكذب من هذا في أضغاث الأحلام، وأمنية أبعد منها في الأماني؟ كيف يتفق أولئك على الصحيح؟ وبماذا يحملون الرأي العام على اعتناقه؟ أبالقوة يعتنق هؤلاء الدين الجديد عندهم؟ أم بالتقليد لأولئك النفر القليل؟ أم بطريق الحجة والإقناع؟ كلا! كل هذا ليس من السهل، أو ليس من المستطاع؛ وإذا جاز أن يقع مثله في أول الدعوة إلى الإسلام من نبينا وأصحابه، فليس من الجائز أن يقع في هذا العصر من مؤتمر يؤلف من علماء الطائفتين المتخالفين في بؤرة الخلاف، وهل يصح أن نكتفي بهم وحدهم أو بالخاصة معهم - لو جاز أن يتفقوا - ونستغني عن اتباع السواد لهم
وأكبر الظن أني تياسرت عن الغرض في تأويلي هذا للمؤتمر المقصود، إذن فعم يبحثون؟
لنتركهم يعملوا لإيجاد عوامل الألفة والصداقة الودية بين الفريقين، ولذبح النعرة الطائفية على أعتاب الأخوة الإسلامية ليدخلوها بسلام آمنين، ولتبق بعد هذا كل طائفة على عقيدتها وأعمالها، كمذاهب أهل السنة فيما بينهم، وكالشيعة لما يختلفون في تقليد مجتهديهم، وهناك تتجلى الكلمة الذهبية الخالدة:(إنما المسلمون إخوة)، وقوله عليه السلام:(المسلمون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً). وينظر عندئذ للمؤتمر في دعوى من يدعي غمط حقوقه كمحكمة كبرى إسلامية، ويأخذ على الأيدي العابثة من كتاب وغيرهم بالوسائل التي يختطها ويستطيعها
وظني أن هذا المؤتمر هو الذي يرمي إليه إخواننا فيما فكروا وتحدثوا وكتبوا، وهناك ملحوظات يجب ألا نغفل عنها:
هذه الدعوة إلى الاتحاد ونبذ النزعات الطائفية، والتفرقة الشائنة، هي إحدى الأسس القويمة التي بنى عليها الحكم الوطني في العراق - كما ذكرت في مقالي السابق - ورؤساء الطائفتين يومئذ لم يقصروا في توجيه الرأي العام نحو هذه الفكرة الجديدة التي لم يدع لها العهد التركي البائد مجالاً للظهور أو لبذرها في العقول، واستطاعوا في اقصر وقت أن