يكهربوا الفكرة العامة بتيارهم، حتى إنك كنت تسمع الهتاف بالوحدة يبلغ عنان السماء في جميع محافلنا ومجالسنا، وكان الرجل يخسأ أن ينبس بكلمة واحدة تشتم منها رائحة الخلاف، وعلى ذلك أعوام - أو أيام - مضت، حتى تغير بعض النفوس، وتبدل كثير من النوايا، ولا ندري لماذا كان؟! وهل يجوز أن نقول لا ندري؟ لا أدري!
واليوم - بحمد الله - تجد الحال كما هي، لم تتبدل تلك الظاهرة المحبوبة؛ ولكنها فقاقيع على الماء من ارتفاع درجة الحرارة، وليست هي كل الماء - كما يقول الأستاذ أحمد أمين - أو ليس وجودها إلا لتظهر فقط لا لتنفع - كما يقول الأستاذ الرافعي - لأن هذه الظاهرة احتفظت بها السياسة وحدها واكتفت بها، ولم تأخذ بها الأمة عن طريق الرغبة فيها، والاقتناع بضرورتها وثمراتها، في حين أن العودة إليها قد تضاءل نبراسها إلى حد كاد معه ينطفي، وما أدل على هذا من أن السني الداعي إلى الوحدة يصبح متشيعاً في نظر أصحابه، والشيعي الداعي إلى الوحدة يصبح سنياً في دعوى إخوانه، وهذا ذنب كبير عندهم لا يغتفر!
ولذلك يسود الاعتقاد اليوم أن الدعوة الأولى كانت كلها خداعاً في خداع؛ ومن رجالنا من لا يزال مستمسكاً بها إلى اليوم، فينسب إلى غفلة أو سذاجة، وهذا هو الداء الدوي
فإذا أردنا أن نؤلف هذا المؤتمر في العراق، فإنما نريد أن نعيد تلك الكرة لتنفي العزة، وقد لاقت في مبدأ الأمر سوقاً رائجة، ثم كسدت تلك السوق، ويبيع فيها الرأي العام بأبخس ثمن، وبدراهم معدودة؛ ومن الصعب جداً أن نعمل عملاً مجرباً بتشاؤم منه؛ واعتقد أنه سيكبد القائمين مجهوداً كبيراً من هذه الناحية، ويحتاج إلى زمن ليس بالقصير، لتحوير الأفكار ورسوخ العقيدة من جديد، تتخلله الدعاية الواسعة من القادة وذوي العقول المخلصين: وتقريباً للمسافة أجد من الضروري أن تنضج هذه الفكرة خارج العراق أولاً، ثم تدخل العراق لتستطيع أن تهضمها الأفكار بسهولة
ومن المرجح أن هذا المشروع لا يلاقي الفشل بعد تشكيله في هذه المرة إذا كان القائم به مؤتمرا منظما يبنى على أسس متينة ونظم واضحة، وإذا كان مؤسسو المؤتمر يحملون في حقائبهم إخلاصاً صادقاً وعقيدة ثابتة ووطنية صحيحة، والعراق في دور الاستقلال، وما فشل لأول مرة إلا لأنه كان عملاً فوضوياً اندفع إليه المجتمع كسائر إندفاعاته التي لا