كره بستور الصعود في البالونات، وخشي دائماً عواقب الخصومات في المبارزات، ولكنه لم يجبن ولم يتردد لما دعاه هؤلاء البيطريون إلى هذه التجربة وساقوه عامدين إلى هذا المأزق الخطير.
وجاء اليوم الأكبر الموعد، يوم الثاني من يونيو عام ١٨٨١، فجاء الناس من كل حدب وصوب لحضور اليوم المشهود، يوم يحكمون في أمر بستور، فإن خيراً فله، وإن شراً فعليه، وكثر عددهم حتى ضاق بهم المكان الرحيب، وتضاءل إلى جانب هذا الاجتماع كل اجتماع سبقه، وكان في الحاضرين نواب الأمة وشيوخ من شيوخها، وكان فيهم عظماء، وكان فيهم كبراء، ومن كل حسب ونسب لا يظهر في الناس إلا في أعراس الأمراء وجنائز الملوك، وكان فيهم الصحافي الشهير دي بلوفتس حوله جمهرة من رجال الصحافة ومكاتبيها.
ودقِّت الساعة الثانية، فخرج بستور إلى الميدان يصحبه رجاله، وفي هذه المرة لم يكن له ولهم من الجمهور إلا الترحيب الصارخ والهتاف المتعالي. فأما الشياه الأربعة والعشرون التي كانت لُقّحت ثم حُقنت فيها الملايين من المكروبات القاتلة فقد وجدوها قائمة تأكل وتجري فرحة مرحة هانئة بالحياة، ولم يجدوا بواحدة منها أثراً من الحُمىِّ، فكاْن مكروب الجمرة لم يخالط دمها، وكأنما كان بينه وبينها ما بين الأرض والسماء.
أما الشياه الأربعة والعشرون الأخرى التي لم تُلقِّح، تلك الأربعة والعشرون التي حقن المكروب القتال تحت جلدها من غير أن تُحمى منه وتُحصّن، فقد وجدوا اثنين وعشرين منها راقدة على جنوبها في خط واحد رقدةً تبعث الأسى والحزَن. أما الاثنتان الأخريان فكانتا لا تزالان قائمتين على أرجلهما ولكن في غير اتزان، تجاهدان في سبيل العيش هذا العدوَّ الأخفى الذي ما غالب الحياة إلا غلبها، وكان دم أسود ينضح من أنفيهما ومن شفتيهما ينذر بقرب لحاقهما بالشياه المنبطحة الصريعة من أخواتها.
صاح بَيْطار لأخيه البيطار:(انظر، انظر، فهذه أخرى من التي لم يلقِّحها بستور قد سقطت إلى الأرض!).