للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حضر عيسى المسيح عرس (كانا) الشهير، فلما نَفِد الخمر وكاد يتعرض أهل العرس للفضيحة شاء يسوع أن يستحيل الماء خمراً فاستحال، ولم يذكر لنا الإنجيل تفصيل ما ظن الناس بصاحب هذه المعجزة، ولا ما فعلوا به عندها. وهذا بستور في الثاني من يونيو عام ١٨٨١ يأتي في هذا العصر الحديث بمعجزة لا تقل إعجازا عن تلك التي وقعت في ذلك العصر المقدَّس العتيق فيقوم هذا الجمع الحاشد، على الرغم مما كان من اختلاف أهوائه يحنون رؤوسهم لهذا الرجل القليل، المشلولِِ بعضُه، الذي حمى مواشيهم تلك الحماية التامة الرائعة من قرصات هذه الخلائق الصغيرة التي تقرص فتقتل في الظلام قتلاً مُؤكّدا. إن هذه التجربة الجميلة التي أجراها بستور على الملأ في بُحبوحة هذا الحقل تقع في نفسي موقعاً شاذاً غريباً، لأنها قصة شاذة غريبة في تاريخ الإنسان وجهاده هذه الطبيعة القاسية. أما شذوذها ففي هذا التهليل والتكبير الذي صحبها، وهذا الترحيب الصاخب الذي ناله بستور من أجلها. فعهدنا بكشوف العلم ألا تقدِّر في حينها، وعهدنا بها أن ينال صاحبها الأذى من أجلها. ألم يودع جاليليو السجن من أجل أبحاثه التي تسببت أكثر من غيرها في الانقلاب الهائل الذي أدى بالدنيا إلى حالها الحاضرة؟ وكم لجاليليو من أشباه وأمثال. كذلك عهدنا بصاحب الفكرة أن تبقى فكرته ويزول فلا يَنْعم حتى بالذكر طيباً كان أو خبيثاً. وإلاّ فما العباقرة الأولون الذين اخترعوا النار واصطنعوا العجلات وابتدعوا الشراع وأنّسوا الخيل؟.

- ٦ -

أما بستور فحظه غير حظ هؤلاء جميعاً. فهذا هو قائم في هذا الحقل ومن حوله الأغنام الأربعة والعشرون تشطح وتمرح بين جُثثٍ أربعِ وعشرين لأخوات لها ماتت شر ميتة. رجلٌ قدير في تمثيله، ومسرحٌ فخم في بشاعته، ورواية خالدة على الدهور، وقد اجتمعت الدنيا إليه تسمع وتنصت، وتُثبت ما تسمع، ثم تدخل في دينه أفواجاً تحارب معه الموت لَّما بان لها أن النصر قريب أكيد.

وأحدثت هذه التجربة في الناس تحوّلاً كبيراً. مثال ذلك رجل يدعى الدكتور بَيُوت كانت صناعته علاج الخيل والسخرية ببستور سخريةّ مُرَّة. فلما رأى أخيرة الشياه تموت جرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>