مندفعاً إلى بستور يصيح به:(بالله عليك يا سيدي إلاّ ما حصنتني بهذا اللقاح كما حصَّنت هذه الشياه، ثم حقنتني بذلك المكروب القاتل كما حقنتها فنجَّيتها، فالعالم لابد أن يقتنع بصدق هذا الكشف العجيب!).
وجاءه خصيم آخر مخفوض الجناح يقول:(حقاً إني قصفت بالنُّكات الكثير عن هذه المكروبات، أما اليوم فأنا مخطئ توَّاب!). فأجابه بستور مقتبساً من الإنجيل:(سيكون الفرح في السماء لخاطئ واحد يتوب أكثر منه لتسعة وتسعين من العُدوُل الذي لا يحتاجون إلى التوبة).
أما الصَّحفيِّ الكبير دي بلوفتس فهتف لبستور وهرع يرسل تلغرافه إلى جريدة التيمس والى جرائد الدنيا. قال فيه: (إن تجربة قرية بولي - نجاحاً كاملاً لم يسبق له مثيل.
وتلقت الدنيا هذا الخبر، وأخذت تنتظر ما بعده، فكأنما حسبت في شيء من التخليط أن بستور بعض الأنبياء أرسله الله رحمة بالناس، يحمل عنهم الأثقال ويدفع عنهم الآلام. وخرجت فرنسا عن وعيها فيه فسادت به أعظم أبنائها ومنحته وسام الكردون لأكبر لليجيون دونير وبعثت إليه الجمعيات الزراعية والبياطرة وفقراء الفلاحين ممن حلّ بحقولهم داء الجمرة اللعين، بعثوا أجمعين إلى بستور برقيات عديدة يسألونهُ ألوف الحُقَن من لقاحه الشافي، وأجاب بستور وأعوانه الثلاثة رجاء هؤلاء في نخوة مجيدة أنستهم صحتهم - والعلم كذلك. وكان بستور شاعراً، فأثارت شاعريته في قلبه ايماناً بتجربته، التي كانت، زاد حتى أربى على إيمان من دخلوا في دينه حديثاً.
نعم أجاب بستور السائلين، فقلب معمله الصغير بشارع مصنع للقاح، فكنت ترى الأوعية الكبيرة بأحسيتها على النار تغلي وتتفقَّع ليزُرع فيها مكروب الجمرة بعد إضعافه وتأنيسه. وكنت ترى رو وشمبرلاند يقومان على إضعاف البشلة القوية والتخفيف من عنفها لتعطى شياه فرنسا بعض المرض دون أن تقتلها، وتوخيا الدقة فيما يعملان، ولكن أين الدقة من المسرع الهلع؛ وتهيأ اللقاح، فقام الأعوان جميعاً والعرق يتصبب منهم بتعبئة الجالونات الكثيرة منه في زجاجات تسع الأوقيات القليلة. وكان لا بد أن تكون الزجاجات طاهرة من المكروب كل الطهارة فطهروها؛ كل هذا دون أن يكون لديهم كل الأجهزة اللازمة لضمان العاقبة، يا عجبا لبستور! كيف قام بذلك كله؟ بل هي تجربة واحدة واضحة ابتدعها - أم