هو القدر أعثره بها؟ - ملأنه ثقة عمياء ليس عهدي بالتجارب الفُرادى الواحدة أن تملأ رجلا بمثلها.
وفي أثناء تحضير هذه الألقحة كان الأعوان الثلاثة يتحينون الفرص فيفلتون منها ليلقحوا البهائم في شمال فرنسا وفي جنوبها، وأدى بهم المطاف يوما إلى هنغاريا. لقحوا مائتي شاة هنا، ولقحوا خمسمائة وستا وسبعين شاة هنالك، حتى بلغ ما لقحوه في دون العام مئات الألوف منها؛ ثم يعود هؤلاء اللقّاحون الأفّاقون يجرون أرجلهم من التعب إلى باريس، وفي حلوقهم عطشةُ إلى شراب يسوغ، وفي قلوبهم عطفةٌ إلى حُبّ يطيب، أو لعلهم كانوا يتوقون إلى ساعة هادئة يقتلونها على دخان الطُبّاق: ولكن أين لهم ذلك وبستور كان يكره رائحة الطباق، أما الحب والشراب فكيف يجوز أن عنده وشياه فرنسا تثغو ثغاء عالياً تطلب الخلاص ممن عنده الخلاص، فلا يكون لهؤلاء الثلاثة الأرقاء رغم شبابهم مندوحة من إطاعة هذا المجاهد المجنون الذي تعبِّدوا له اختياراً، هذا المأمون الذي تجمع فكره وتركّز كيانه وانحشد عزمه على إيجاد هذا المكروب الذي يقتل بعضه بعضاً. فيقومون بالتخففّ من ملابسهم والتشمير عن سواعدهم ثم يقضون الساعات الطويلة إلى جانب مجاهرهم يُحملقون فيها حتى تحمرَّ جفونهم وتتساقط رموشهم. وفي أثناء ذلك يزداد الفلاَّحون صياحا طلباً للقاح، ويزداد أصحابنا انهماكا في تجهيزه فيقعون أثناء ذَلك ومن جرائه في متاعب غربية لم تكن في الحسبان: دخلت بعض الجراثيم الغريبة إلى الأحسية مع مكروب الجمرة، وإذا باللقاح الضعيف الذي يكفي لقتل الفأر صار يقتل الأرنب الكبير. فقام هؤلاء الأبالسة يتعرفون أصل الخطأ حتى عرفوه، ويتعقبون مدخل هذا المكروب الضال فسدوه، فيأتيهم بستور بعد هذا كله ساخطا صاخبا. ولم ذا؟ لأنهم أضاعوا في هذه التجارب وقتا طويلا ثمينا!.
وأراد بستور أن يكشف عن جرثومة داء الكَلَب.
كان ليل المعمل هادئاً إلا من صوت الخنازير وعراك الأرانب، أما الآن فقد غطى على هذا نباح الكلاب المسعورة، وهي تعوي عواءاً يملأ الآذان وقرا والقلوب رعباً، ويطير بالنوم عن أعين الأعوان الثلاثة رو وشمبرلاند وتويبيه. . . لهم الله من ثلاثة! ليت شعري ما كان يصنع بستور في حربه رسلَ الموت لولا هؤلاء الثلاثة.