ولكن بستور كان قد غاض معينه، فلم يبق فيه إلا ذَماء، فقام عنه رو يحاول محو الدفتريا من على ظهر الأرض، وأعانه في هذا يرسين وهو رجل لا يهاب الموت، كان من نصيبه بعد ذلك أن اكتشف جرثومة الموت الأسود فنال بها مجداً كبيرا، ولم يكن الذي أتاه رو من ذلك علما، إنما كان جهادا وحرباً. كانت تحدوه عاطفة قوية فاقتحم السبل إلى غايته اقتحاماً، فلم يتريث كما يتريث المكتشفون لاختطاط الخطة ومصابرة الفرصة في دهاء وافتنان. ولست أقول إن (رو) بدأ بحثه من أجل هذا الكتاب الذي كتبته تلك البائسة تسترحم فيه بستور، ولكني أريد أن أقرر أن رو بدأ بحثه وأكبر همه تخليص الأرواح لا علم الحقائق، فهذا البيت في شارع ديتو ما كان يضم إلا رجالا إنسانيين همهم خلاص البشرية وتخفيف ويلاتها، يستوي في ذلك ربّه الشيخ المشلول، وغاسل القناني الخامل الحقير. كلهم كانوا يعملون لخلاص الناس، وهذا طيب جميل، ولكنهم حادوا من أجله أحياناً عن السبيل الذي لا بد من سلوكه لبلوغ الحقيقة. . . . ومع هذا، وبرغم هذا، فقد كشف رو كشفاً رائعاً مجيداً
كانت الدفتريا تفتك بباريس فتكاد ذريعاً. فذهب رو ويرسين إلى مستشفى الأطفال فوجدا هناك نفس البشلة التي كان وجدها لُفلار. فربوها في حساء بقارورة، وترسما الخطى المعروفة، فحقنا مقادير كبيرة من هذا الحساء في كثير من طيور وحيوانات منحوسة الطالع فماتت ضحية العلم، دون أن تعلم بما ضحت، فترضى وتطيب نفساً عن نصيبها. ولم يكن هذا الذي بدءا فيه بحثاً كثير النفع كثير الإنتاج مستنيراً، ولكنهما لم يلبثا أن وقعا وشيكا على الدليل الذي أعوز لُفلار، فإن الحساء شلّ الأرانب. ذهب مفعوله في أوردتها فلم تمض إلا أيام قلائل حتى سارت تجر أرجلها الخلفية وراءها عرجا. فسر أصحاب التجربة سروراً كبيراً. وزحف الشلل إلى أجسامها حتى بلغ أكتافها وأرجلها الأمامية ثم ماتت في شللها وبللها ولزاجتها شرّ ميتة
قال رو وقد ملأته رغبة شديدة في الإيمان بالذي يقول: (إن هذه البشلة تقتل الأرانب على نحو ما تقتل الأطفال. . . . لابد إذن أنها هي سبب الدفتريا الذي لا شك فيه، ولابد أني واجد الآن هذه الجرثومة في هذه الأرانب. واستخرج عدداً كبيراً من الأنسجة من كل ركن