من بضعة جثث من هذه الأرانب، واستخرج أطحلتها وقلوبها، وزرع منها زريعات كثيرة، ولكنه لم يجد بها بشلة واحدة. أنها أيام قلائل فقط مضت منذ حقن بلايين من البشلات في كل أرنب منها. ولكن هاهي ذي ملقاة أمامه، قد انتزع أحشاءها، وقطّع أوصالها، وفتش فيها مبتدئاً بأنوفها الحمراء منتهياً بما تحت ذيولها البيضاء، ولكنه لم يعثر بها على بشلة واحدة. إذن فما الذي قتلها؟!
فجاءت نبوءة لُفلار تمر سريعة كالبرق بخاطره. فتفكر وقال:(لابد أن هذه البشلات تصنع سما وهي في الحساء، ولابد أن هذا السم هو الذي يشل ويقتل
وانبعثت فيه روح البحث الصحيح، روح المعرفة للمعرفة، فنسي الأطفال وبلواهم، وأكبّ على الخنازير الغينية والأرانب يثخنها قتلا وجزرا، فقد وجب عليه أن يثبت أن هذه البشلات تعصر سماً من أجسامها الدِقّاق
وبدأ هو ويرسين يدوران يتحسسان في الظلام عن تجارب تهديهم إلى إثبات ما يبغيان إثباته. وطال تحسسهما، وبعدت طرائقهما عن طرائق العلم. ولهما العذر في ذلك، فلم يكن لديهما في هذا الباب طرائق معروفة، ولم يكن سبقهما فيه سابق فيترسمون خطاه على هدى وبصيرة. ولم يسمع أحد قبلهما بأن باحثاً فصل سماً من أجسام المكروبات، إلا بستور فقد كان حاول شيئاً لم يستتمه من هذا. كانا وحدهما في ظلمة هذه الجهلة. ولكنهما استطاعا أن يقدحا عود كبريت. . . قالا: (إن البشلة لابد تصب سمها في الحساء، كما تصب سمها في دم الطفل وهي مقيمة على غشاء حلقه). بالطبع هما لم يثبتا هذا
ووقف رو حجاجه النظري، وسئم الدوران منه في دائرة لا تنتهي، واعتزم حل المُعْضل في المعمل بيديه. وجد أن التلمس في هذا العماء لا يجديه نفعاً. وجد أنه كرجل اختل محرك سيارته فتعطلت، فأراد أن يصلحه وهو لا يدري من عمل المحركات شيئاً. فكان الأولى به أن يتعلم كيف تعمل المحركات أولا. فقام إلى قارورات من الزجاج كبيرة، ووضع فيها أحسية خالية من المكروب طاهرة، ثم بذر فيها بشلات نقية من الدفتريا، ثم أودعها في المدافئ لتربى. فلما بقيت فيها أربعة أيام وتم نضجها قال رو:(والآن فعلينا فصل الحساء من المكروب). وجهز الاثنان لذلك جهازا غريبا، مُرشّحاً له شكل الشمعة إلا أنه أجوف، صنعاه من مادة صينية دقيقة اكتنزت حباتها وضاقت مسامها فأذِنت بنفاذ