الحساء ورفضت فوات المكروب فيها. ونصبا هذه الشمعات الجوفاء في مخابير من الزجاج لامعة صقيلة، وقاما يصبان الأحسية فيها على حذر شديد مخافة أن يصيبهما رشاش قاتل منها، ولكنها أبت أن تنفذ من الشموع إلى المخابير، وأخيراً استطاعا أن ينفذاها بهواء مضغوط ضغطا شديدا، فلما تم لهما ذلك تنفسا الصعداء وهما يصفقان على المنضدة، ذلك الراشح الرائق قد تراءى في قواريره الصغيرة أصفر كالكهرمان ولم تكن به جرثومة واحدة
وتمتم رو لنفسه:(هذا السائل لا شك يحتوي السم. نعم لقد حبست الشموع ما كان به من جراثيم، ولكنه مع هذا لابد أنه يقتل الحيوانات، وهرج المعمل ومرج بالمساعدين وهم يحضرون الخنازير والأرانب، فلما حضرت ذهبت إبر المحاقن في بطونها بهذا السائل الذهبي، ضربتها فيها يد رو، وهي يد خفيفة بارعة
وانقلب رو فصار فتاكا سفاحاً، وملأ قلبه حب القتل، فلم يجيء إلى معمله يوماً إلا وفي نفسه رغبة كرغبة المجنون أن يجد حيواناته قتيلة صريعة. وكأني بك تسمعه يصيح إلى يرسين: (إن السم لابد فاعل فعله الآن فيها، لابد أنه ضارب بنابه الآن في مقاتلها)، ثم هما ينظران معاً فلا يجدان ما يشفي غليلهما ويؤمن على نبوءتهما، فلا الشعور انتفشت، ولا الأرجل الخلفية شلت فتجرجرت، ولا الأجسام ارتعشت وانتفضت
كان وقع ذلك شديداً عليهما. بعد كل هذا التعب، وكل هذا التجريب والتفنين في دقة وحذر، تظل هذه الحيوانات تقرض بقولها في أقفاصها قرضاً، وتثب فيها وثبا، وتتغازل ذكورها وإناثها وتتهارش هذا الهراش السخيف الذي لابد منه لإيجاد النسل وتواصل الجنس. . . إنها تملأ أمعدتها وتشبع شهوتها ولا تأبه لشيء. أما هؤلاء الأناسي المردة الطوال الذين أحسنوا غذاءها هذا الإحسان فليحقنوا في أوردتها أو في بطونها من ذاك الحساء ما شاءوا. أيدعونه سما؟ لقد طال بهم الخيال، وكذب الخال. إن يكن سما فهو لا يزيدها إلا هناءة وطيب حال
وحاول رو مرة أخرى فحقن مقادير أكبر من حسائه في طائفة حيواناته، ثم في أخرى، ثم في أخرى، ولكن من غير جدوى. لم يكن في الحساء سم
لو أن رو رجل عاقل عادي لكفاه الذي جرى، واقتنع بأن الحساء الذي أودعه المدفأ أياماً ثم