رشحه لم يكن به سم قط. ألم يكفه هذا العدد العديد من الحيوانات التي ضاعت سدى؟ ولكن رو - ولتحمده الأمهات والأطفال المساكين، ولترعه الملائكة التي تحفظ البحاث المجانين - ولكن رو كان في تلك الساعة مجنونا. أصابه مس كالذي كان يصيب أستاذه بستور فيجعله يرى الصواب في الذي يراه الناس أجمع خطأ، ويقدح ذهنه فتخرج منه التجربة المستحيلة الناجحة. كأني بك تسمع هذا الرجل المسلول ذا وجه الصقر يصيح لنفسه:(هنا، في هذا الحساء سم لا محالة). وكأني بك تراه يدور في معمله يصيح هذه الصيحة إلى القوارير المصففة على الأرفف التربة، وإلى الأرانب والخنازير الغينية، وهي لو استطاعت لضحكت من هذا المجهود الخائب الذي بذله ويبذله رجاء قتلها. (لابد من سم في هذا الحساء الذي نمت فيه بشلات الدفتريا، وإلا فكيف ماتت الأرانب إذن؟)
وأخيراً، بعد أن قضى الأسابيع يحقن أحسيته في الحيوانات ويزيد مقدار ما يحقن فيها كل مرة، أخيراً عزم على أن يحقن في الخنزير ثلاثين مقداراً من الحساء دفعة واحدة، ففعل وكاد يغرق الخنزير بحسائه. كان مثله في ذلك مثل المقامر الذي سئم الخسارة، فلما يئس جازف فوضع على الرقعة كل ماله. حتى بستور ما كان ليجسر هذه الجسارة فيحقن الخنزير الغيني الصغير تحت جلده بخمسة وثلاثين سنتميتراً من الحساء كما فعل رو. أليس في هذا المقدار لو أنه ماء نقي ما يقتل الخنزير بمجرد حجمه. وهو إذا مات فأي نتيجة تستخرج من هذا عن وجود السم في الحساء. . . . ولكن رو لم يأبه لذلك، فدفع بهذا المقدار من الحساء وهو كالبحر في بطن الخنزير. ودفع بمقدار مثله في وريد بأذن أرنب، فكان كمن صب جردل ماء في أوردة إنسان متوسط الجرم
ولكن بهذا الأسلوب الغريب كتب رو اسمه في لوحة المجد، فعلى الناس أن يخلدوها على الدهر ويحفظوها من البلى ما بقي على ظهر هذه البسيطة إنسي. احتمل الأرنب والخنزير تلك الشربة الهائلة وصمدا لجرمها الكبير، وهَنِئا بالسلامة ونعما بالعيش يوماً أو يومين بعد هذا، ولكن لم يمض على ذلك غير ثمان وأربعين ساعة حتى انتصب شعراهما على ظهريهما، وأخذا يتنفسان اختلاجا. وماتا بعد خمسة أيام، وظهرت عليهما نفس الأعراض التي ظهرت على الحيوانات الأخرى التي ماتت عقب حقنها بمكروب الدفتريا نفسه لا بحسائه المرشَّح. وبهذا اكتشف رو سم الدفتريا. . .