للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لو أن الأمر اقتصر على هذه التجربة، وما تضمنته من جرعة هائلة من حساء ضعيف السم، إذن لضحك قناص المكروب منها ومن صاحبها رو، ولتخذوا منها فكاهة فاضحة: (إن تكن قارورة كبيرة من مكروب الدفتريا لا تخرج إلا هذا السم القليل حتى ليحتاج إلى أكثر هذه القارورة لقتل خنزير غيني صغير، فأنى لبشلات قليلة تحل في زور الطفل أن تصنع من هذا السم ما يكفي للقضاء على جرمه الكبير! هذا حمق أي حمق!)

ومع هذا فرو حل بذلك العقدة الأولى. وبهذه التجربة السخيفة قدح أول قدحة وأطار أول شرر شعّ في ظلمة الطريق فعرف به إلى أي ناحية يتجه وعلى أي جنبيه يميل. فأخذ يتحسس طريقه بين الأحراج ويشق سبيله بين الأدغال بطائفة من التجارب الدقيقة حتى انفتح له السبيل بغتة عن أرض عراء فعرف مكانه واستوثق مما هو فيه. واستغرق في ذلك شهرين عرف بعدهما السبب في ضعف السم بحسائه. واتضح له أنه لم يكن ترك الحساء ببشلاته في المدفأ مدة كافية، فلم تتمكن البشلات من العمل فلم تصنع من السم ما تعودت أن تصنعه. وعلى هذا صنع حساء جديداً ووضع فيه بشلات جديدة أودعها المدفأ وأبقاها هناك في حرارة كحرارة الجسم مدة اثنين وأربعين يوماً. فلما أخرجها أخرج سماً كأقوى ما تكون السموم، وحقن القليل منه في حيواناته فصنع بها ما لا يُصنع. وأخذ في تقليل مقدار ما يحقن فيها عسى أن يقلل فتكه بهذه الحيوانات ولكنه حاول عبثاً، وظل ينظر بعين واسعة وقلب مغتبط تياه إلى القطرات القليلة من هذا السم تذهب بالأرانب وتقتل الشياه وتلقي بالكلاب صريعة. ثم أخذ يتلهى بهذا السائل الفتاك، فجففه، وأراد دراسة كيميائه فأخفق. ثم ركّزه تركّيزاً كبيراً، ووزن ما ركّز، ثم عكف يجري عمليات حسابية طويلة

فوجد أن الأوقية منه تقتل ٦٠٠٠٠٠ خنزير غيني، أو ٧٥٠٠٠ كلب كبير. ووجد أن الخنزير الغيني الذي يناله من هذا السم جزء من ٦٠٠٠٠٠ جزء من الأوقية تتحول أنسجة جسمه فتكون كأنسجة جسم الطفل الذي يموت بالدفتريا

هكذا أوّل رو حلم لفلار وحقق نبوءته؛ وعلى هذا النحو كشف عن رسول الموت السائل الذي يتحلّب من أجسام هذه البشلات الصغيرة الحقيرة كشف رو لنا عن الطريقة التي تقتل بها هذه البشلات الأطفال، ولكنه لم يكشف لنا عن طريقة ندفع بها شرها، والكتاب الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>