وهنا يتساءل الناس دائماً: ما الدين؟ أهو شيء مفيد للبشر في أمر حياتهم ومعاشهم؟ أم إنه طريق لحل اللغز الأكبر وسبيل للنفوذ إلى المجهول؟. في الواقع أن كل دين من الأديان المعروفة يتكون من هذين الوجهين. فالدين كقانون اجتماعي ينظم الغرائز ويحفظ التوازن بين الخير والشر، هو أمر متعلق بذات الإنسان، متصل إذن بعقله وعلمه. على أن عنصر (الأخلاق) في الأديان ليس كل جوهرها. فإن بعض البلاد قد استطاعت أن تجد في (الأخلاق) غنى لها عن (الأديان)؛ إنما قوة الدين وحقيقته في العقيدة والإيمان (بالذات الأزلية). هنا لا سبيل إلى الدنو من تلك (الذات) إلا عن طريق يقصر عنه العلم الإنساني، بل يقصر عنه كل علم، لأن العلم معناه الإحاطة، والذات الأبدية لا يمكن أن يحيط بها محيط، لأنها غير متناهية الوجود. فالاتصال بها عن طريق العلم المحدود مستحيل. هاهنا يبدو عمل الدين ضرورة للبشر. إني ما كتبت هذه الكلمة اليوم إلا لألفت نظر رجال الدين إلى وجوب التسامح والهدوء كلما قام باحث يتكلم في الدين عن طريق العقل، فإن الشرق اليوم مقبل على حياة علمية واسعة مهادها المعاهد والجامعات؛ ولابد لنماء ملكة العقل من التفكير الحر الطليق، كما لا بد لحياة ملكة القلب من الشعور الحار العميق. فليترك رجال الدين المفكرون يفكرون كما يشاءون، ويثرثرون كما يريدون، ويعرضون بضاعتهم الكلامية التي هي كلها بهرجهم الآدمي الأجوف، فإن كل هذا الضجيج العقلي لن يصل خبره إلى القلب الذي لا يفتر لحظة عن التسبيح رغماً عنهم بالعقيدة التي ركبت عليها حياته النابضة. . .