كان العرب في جاهليتهم يعبدون الأصنام، قد اتخذت كل قبيلة إلهاً من صنم أو وثن، وقدمت إليه القرابين وجعلته الآمر الناهي، وهو طور تكاد تكون الأمم كلها قد مرت عليه وأن اختلفت أسماء أصنامها باختلاف بيئاتها؛ ذلك لأن في طبيعة الناس الإيمان بقوة فوق قوتهم تدفع عنهم الشر وتجلب لهم الخير، وتحي وتميت، وتخلق وتفني؛ وإذا كان العقل قاصراً ركز هذه القوة في شيء من المادة خلع عليه هذه الصفات، فأحياناً يكون صنما، وأحيناً يكون الشمس والنجوم، وأحياناً يكون شجراً، وأحياناً يكون حيواناً، وأحياناً يكون نهراً أو بحراً، فكل هذه الكوائن عبدت عند الأمم المختلفة، لأنها أحست أن في أعماق نفسها عقيدة بقوة فوق قواها. تساوت الأمم في هذا، ولكنها اختلفت في الشكل الذي تجسد فيه هذه القوة فتعبده، بحسب قوتها العقلية والخيالية ومواضعها الجغرافية وبيئتها الاجتماعية
وكانت هذه هي الحالة الساذجة للعبادة عند الأمم يعترفون بإله أو إلهة، ويشكلونها في شيء محسوس يقدمون لها صنوف التعظيم والتمجيد - فكرة حق ولكنها اتخذت مظاهر خرافية كالطفلة في غريزتها الأمومة، وفي طبيعتها الإشراف على تنظيم الحياة البيتية، فهي تتخذ لها لعباً من عرائس تجعلها أبناءها وبناتها وتمنحها عطفها، وتنفذ عليها أوامرها إجابة لداعي الغريرة الكامنة وإرهاصاً لما يكون منها بعد نموها
وأحياناً يحاول أن يتخلص من المادة فيعبد أرواحاً جناً أو ملائكة أو نحو ذلك، ولكن سرعان ما ينتكس ثانية فيسبغ عليها أوصاف المادة فيجعلها ذكوراً وإناثاً، ويجعل لها أجنحة تطير بها، ويجعل لها قروناً وذيولاً لأنه لم يرق حتى يستطيع أن يتحرر من عبادة المادة بتاتاً
كذلك كان العرب بل كان أكثرهم في حالة منحطة من عبادة المادة، يعبدون الحجر لا النجوم ولا الأرواح، ويأتمرون بأمرها في زعمهم في إقامة ورحيل، وإقدام وإحجام، وزواج وطلاق
وعبادة الأصنام كائنة ما كانت - تشل حركة العقل، وتضعف قوة النفس، وتحط الحياة الاجتماعية، وتجعلها حياة خرافية وضيعة. مثل هذه العقيدة تعوق العلم، لأن العلم لا