لبثت حينا أسائل القبور والأحجار فلم تحر عن الشاعر جوابًا. فرجعت إلى إبراهيم فقال: كانت هذه الأرض كلها قبور فذهب بها الحفر، قلت أي حفر؟ قال: قلبوا الأرض يفتشون عن قبر الاسكندر. وقد أخرجوا ما ضمنته الأرض من أحجار وعظام إلى عشرين مترا فلم يظفروا بشيء. قلت انها لتعزية: إن فقدنا قبر شاعرنا فقد ضل في ثنايا الأرض وظلمات التاريخ قبر الملك العظيم الفاتح الاسكندر بن فليب، انها لتعزية!
رجعنا إلى صاحبنا الذي أشار بالذهاب إلى المقبرة القديمة فقال:
- هل عثرتم على القبر المنشود؟
- لا. رأينا قبورا قليلة، وقرأنا ما وجدنا من أنصاب فلم نجد قبر عاكف باشا
- هنا مقبرة سعيد باشا. أيمكن أن يكون مدفونا هنالك؟
- ليس بعيدا فقد حدث التاريخ أن محمد علي باشا أحسن وفادته وبالغ في الحفاوة به. فليس بدعا أن يكون قد أمر بدفنه بين قبور الأمراء.
- يافلان (قيّم مقبرة سعيد باشا) وكان بجانبه، أدخل بهما لعلهما يجدان القبر، فأحسبني رأيت هذا الاسم على بعض القبور
- عندي أوراق فيها أسماء القبور كلها فتفضلا معي.
ودخل إلى بهو به مكتب، فأخرج ورقتين فيهما أسماء معظّمة لأمراء وأميرات، أسماء كانت عناوين حياة حافلة بالعظمة والرفاهية، مليئة بخطوب الزمان، ونوب الأيام، وما هي الآن إلا أسماء قبور. ما وجدت (عاكف باشا) بين الأسماء، فشكرت الرجلين وانصرفت.
قال صاحبي: لم تعثر عليه
قلت: أجل، ولكني أعلم أنه في باطن الأرض، فان يكن لابد لشاعرنا من قبر،! فهب الأرض كلها قبره: يا أخي، انما يخلد الناس بالآثار، لا بهذه الأحجار. وقد صدق جلال الدين الرومي إذ قال:
بعد أزوفات ما درزمين مجوى ... درسينه هاي مردم عارف مزار ماست
فلا تطلبين في الأرض قبري فإنما ... صدور الرجال العارفين مزاري