عثمان دخل في طاعة علي حتى جاء معه لمحاربة معاوية في صفين. ولكنه كان ممن ينظر إليهم بعين الريب في جيش علي. ولا يمكن أن يكون الأمر على غير ذلك لأن جيش علي كان لا يثق بأحد ممن كان يعمل لعثمان، على أن الأشعث كان يطمع في الصدارة والرياسة، وها هي فرصة تهيأت له فتقدم إليها مسارعا، فطلب إلى علي أن يخرجه لقتال القوم على الماء فأذن له علي في ذلك. واشتدت الحرب وتوالت الإمداد من الجانبين وانتصر علي وأصبحت الشريعة في يده، وارتدت جنود معاوية إلى مكان بعيد عن النهر، وتقدمت جنود علي فنزلت في ناحية من السهل الفسيح الذي كانت جيوش معاوية تحل فيه وتملك الانتقال خلاله.
كثر تحدث الجنود والقواد بعد ذلك فيما يظنونه من صنع علي عقب انتصاره، فمن قائل إنه يقابل الإساءة بمثلها، ومن قائل إنه يتفضل على عادته في النيل، وقال عمرو بن العاص:(ما أظنه يمنعنا الماء كما منعناه من قبل. انه قد جاء لغير ذلك) وكان عمرو أصدق المتوقعين، فأن علياً أبى ان يمنع أحداً ورود الماء. وقد يسائل أحدنا نفسه:(ماذا كان يجب عليه أن يفعل؟)
وقد يجيب بحسب ما يظنه الأمثل والأصلح، ولكن لا يشك أحد في وصف ما أتاه علي بأنه نبل.
نزلت جنود علي في سهل صفين في أواخر ذي الحجة، فلما دخل المحرم اتفق الجيشان على الموادعة مدة الشهر الحرام، وكان علي يرجو أن يستطيع في أثنائه حسم الشر والوصول إلى توحيد كلمة المسلمين بغير حرب، غير أنه كان يعلم أن معاوية لا يقصد غير الملك، وما كانت الحجج لتستطيع أن تحوله عن مثل ذلك القصد. غير أنه كان يطمع في أن يستميل بالحجة أهل الرأي ممن مع معاوية، فكانت رسله تختلف إلى معاوية تحمل من الحجج ما هو أشبه بالدعاية السياسية منه بالمراسلة المعتادة بين رئيسي حزبين متعاديين، وكان ينتهز فرصة وفود رسل معاوية لكي يحاول أن يستميلهم بالحجة، وكان إذا وجد من هؤلاء الرسل انصرافا عن حجته وتمسكا بمعاوية أظهر أشد الأسف حتى ليقول مثلا:(انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم أن تسمع الا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) فلما رأى المحرم قد مضى وأيقن