أن تلك المحاولات لم تفده شيئا، أمر أحد قواده أن يعلن استئناف القتال، ولم يرض أن يهاجم أعداءه حتى يعلن إليهم عزمه. فلما غربت شمس آخر يوم من المحرم نادى مناديه بإعلان الحرب معتذرا بأنهم أبوا الإذعان للحجة ولم يلبوا الدعوة إلى الإسلام. وابتدأت المصادمة على شكل مواقع جزئية، وذلك بأن ترسل كتيبة من جيش علي فتلقاها كتيبة من جيش معاوية فتتجاولان مدة نهار حتى يحجز بينهما الليل، وكانت القتلى في مثل هذه المجاولات قليلة العدد. وكان الناس إذا أقبل الليل يضعون السلاح ويدخل بعضهم إلى مخيم بعض فيتحادثون ويتسامرون ويسمع بعضهم قول بعض في غير قتال حتى تستأنف المعركة سيرها في اليوم التالي. وقد استمر الحال على ذلك مدة الأسبوع الاول من المعركة، ثم عزم على المقاتلة بكل جيشه في يوم الأربعاء الثاني مهن شهر صفر سنة سبع وثلاثين للهجرة.
وكان الجيشان مرتبين حسب النظام المتبع حين ذلك. وهو أن يجعل لكل منهما قلب وجناحان، وكان الهجوم يحدث من الجناحين أو من أحدهما ويكون القائد في القلب ومعه أوثق جنوده يهجم بهم وقت الضرورة، أو يمد بهم من يحتاج إلى المدد من الجناحين. وقد بدأ علي الهجوم بجناحه الأيمن وجل جنوده من أهل اليمن، فهبطوا على جناح معاوية الأيسر، وكان قائد ميمنة علي أحد شجعان العرب وقرائهم وهو عبد الله بن بديل، فكانت الحملة الأولى تيارا قويا تزعزعت له ميسرة معاوية حتى اضطر إلى إمدادها بالشجعان الذين معه في القلب وهم الذين بايعوه على الموت، وعند ذلك قويت ميسرة معاوية وكرت على ميمنة علي حتى ردتها، ولم يبق ثابتا الا القائد مع مائتين أو يزيدون استماتوا في القتال أمام الجموع المتزايدة الجرارة التي تدفقت عليهم، فلما رأى علي أن ميمنته ارتدت هذا الارتداد السريع الذي لم يكن متوقعا عقب الانتصار الأول حاول أن يقابل الهجوم بمن معه في القلب وكانوا من مضر. فلم يستطيع أن يرد بهم ذلك التيار واضطر إلى أن ينحاز إلى ميسرته وكان جنودها من ربيعة. فلما رأت الميسرة ما حاق بالميمنة والقلب وانحياز الخليفة إليها ثارت فيها الحمية وثبتت ثباتاً عظيماً ووقف علي معهم يحارب بنفسه.
رأى أحد قواد علي وهو الأشتر النخعي ما حاق بالميمنة من الهزيمة وكان يمنيا. فتارت روحه القوية وجاشت نفسه الباسلة فأسرع نحو المنهزمين وتمكن بقوة نفسه وشجاعة قلبه