على سككها الحديدية تخفيضاً قدره ستون في المائة، ولكنها تشترط في مقابل ذلك أن يقيم في أرضها سبعة أيام كاملة على الأقل، وهذا شرط مرهق بلا ريب؛ لأن إيطاليا تمنح للأجانب تخفيضاً قدره خمسون في المائة أو أكثر على سككها الحديدية دون اشتراط الإقامة مطلقاً، وكل ما هناك أنك تزور معرضاً في إحدى المدن الإيطالية التي تمر بها وقد لا يستغرق ذلك أكثر من ساعتين
غادرنا (منشن) بقطار الساعة الثانية مساء إلى مدينة سالزبورج، فوصلنا إليها بعد رحلة قصيرة وتمت الإجراءات الجمركية بسرعة في الجانب النمسوي من المحطة؛ ثم جزنا إلى خارج المحطة، ولشد ما كان سرورنا ودهشتنا إذ التقينا في فنائها بصديقنا القديم الصحفي النابه الأستاذ محمود أبو الفتح، فبادلناه تحية حارة، وتواعدنا على التزاور واللقاء، ولكن الظروف لم تسمح للأسف بتلاقينا بعد ذلك؛ وقد علمنا فيما بعد من صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم أنه كان في نفس الوقت الذي زرنا فيه سالزبورج يقبع في فندق (شتات ميران) الذي نزلنا فيه؛ ومع أننا كنا نجوس خلال المدينة في كل وقت بالنهار وبالليل ونغشى جميع المقاهي والمنتديات التي ذكر لنا الصديق أنه كان يغشاها أيضاً؛ فأننا لم نعرف بوجوده ولم نقع له على خبر أو أثر؛ ولعله كان يؤثر الاعتكاف والاحتجاب ليستجم كل تفكيره وخياله ثم يطالعنا بكتابه الذي اعتاد أن يخرجه كل موسم؛ وعلى أي حال فقد كان المطر ينهمر باستمرار في سالزبورج، ويحمل ذوي الأمزجة الرقيقة على الاحتجاب والاعتكاف. أما نحن فقد كنا نجد في هذا الغيث المنهمر الذي اشتهرت به سالزبورج ظاهرة بديعة من ظواهر الطبيعة، وكنا نستقبله باسمين مرحين رغم انه كان يغمرنا بالبلل ليل نهار. والواقع أن المطر يغمر هذه المدينة الرشيقة بنوع من الصباحة المنعشة، كما تغمرها الشمس أيام الصحو وبضوئها المنعش؛ وحينما يسقط المطر تقدم إليك تلك المدينة منظراً بديعاً، فالمظلات تنتشر فوق الرؤوس، ويرتدي الناس معاطف المطر الجلدية؛ وترى المطر يقطر من المارة، ولكن حركة المدينة تبقى على حالها؛ ومما يلفت النظر بنوع خاص من السيدات وهن يرتدين المعاطف الجلدية أو معاطف صنعت من ورق خاص يسيل عليها المطر وتحمي من البلل؛ وإذا كانت سالزبورج وقتئذ تموج بالوافدين لحضور حفلاتها الموسيقية الشهيرة، فقد كنا نرى أسراب الحسان يرتدين هذه المعاطف الورقية