المختلفة الألوان فوق ثياب السهرة، وينساب الماء فوق معاطفهن، كما ينساب السحر من زينتهن وعطرهن، وهن ضاحكات مرحات لا يزعجهن البلل
وإذا كانت سالزبورج تشتهر بمطرها الذي لا ينقطع حتى في أشد أيام الصيف، والذي يغمرها دائماً بالبلل المنعش، فإنها تشتهر أيضاً بصفة أخرى، هي أنها مدينة الموسيقى؛ وشهرتها عالية تدعو إليها الزائر من أقصى العالم؛ ولا غرو فهي مسقط رأس موتسارت، وفيها بزغ مجده؛ وما زال المنزل الذي ولد فيه موتسارت قائماً في سالزبورج، وفيه الجناح الذي قضى فيه طفولته؛ وقد حول هذا الجناح اليوم إلى متحف يحج إليه المعجبون بذكرى الموسيقي الكبير، ويتأملون فيه ذكرياته وآثاره؛ وإنك لتشعر حين ترى هذا المنزل المتواضع الذي حرص أولوا الأمر على استبقائه بشكله القديم؛ وحين تطوف بغرفه الضيقة ذات الأسقف الخفيضة، بنوع من التأثر يمازجه الخشوع؛ ذلك أنك ترى في كل زاوية من المكان أثراً حياً لذلك الذي بهر العالم وسحره منذ طفولته برائع أنغامه ورائع مقطوعاته؛ فهنالك مسودات لكثير من قطع موتسارت كتبت بخطه، وهنالك رسائل كثيرة، وصور عديدة تمثله في مناسبات وحفلات مختلفة؛ وهنالك جمجمة الموسيقى الكبير ذاتها، لا نجد لوضعها معنى بين هذه القطع والآثار الفنية؛ ثم هنالك مناظر سحرية تمثل كثيراً من القطع التمثيلية التي وضع موتسارت مقطوعاتها الموسيقية واشترك في إحيائها مثل (الدون جوان) و (زواج فيجارو) و (المزمار المسحور) و (كوزي فان توتي) و (اختطاف الحريم) وغيرها؛ وهذه المناظر آية في الدقة والإبداع لأنها تمثل المناظر والأشخاص والألوان مجسمة واضحة، وتدل على مبلغ ما انتهى إليه المسرح في عصر موتسارت أعنى في أواخر القرن الثامن عشر من التقدم؛ ولفت نظرنا بنوع خاص من بين هذه الذكريات عدة إعلانات مسرحية ترجع إلى سنة ١٧٨٠ و ١٧٨١، عن روايات يشترك في إحيائها موتسارت وقد ذكر فيها أنه يتولى قيادة الموسيقى، وأن الأثمان عادية أو مخفضة! وما زلنا نرى هذه الأوضاع ونقرأ هذه العبارات التي كان يتخذها المسرح منذ قرن ونصف للإعلان عن نفسه، فيما يصدره اليوم من الإعلانات والبرامج! وإنك لتكاد تقرأ في هذه الغرف المتواضعة، وفي هذه الذكريات المؤثرة طرفاً من حياة ذلك الذي لم تغنه عبقريته الرائعة شر الحاجة؛ ذلك أن موتسارت قد بهر مجتمعات عصره يسمو فنه وافتنانه، ونهل من منهل