المجد ما شاء، ولكنه لبث طول حياته يتخبط بين غمار الفاقة، وتوفي مثقلاً بالبأساء والدين
وقد اسبغ تراث موتسارت وذكرياته على سالزبورج شهرة موسيقية عالمية ما زالت تحتفظ بها حتى اليوم. ولسالزبورج موسم موسيقى مشهور تقيمه في كل صيف في يوليه وأغسطس، ويشترك في إحيائه أقطاب الموسيقى العالميون مثل برنو فالتر، فليكس فينجارتنز، وأرتورو توسكانيني؛ وتمثل في هذا الموسم عدة من القطع المسرحية الخالدة التي وضع موسيقاها موتسارت وبيتهوفن وشوبرت وغيرهم من أقطاب الفن، وتنظم حفلات موسيقية رائعة تعرض فيها قطع وأناشيد من وضعهم، وتقوم بتنفيذها فرقة موسيقية رائعة على رأسها أحد أقطاب العصر ممن ذكرنا؛ وتقام إلى جانب هذه الحفلات حفلات موسيقية منوعة، كلاسيكية أو عصرية أو كنسية؛ وقد أعدت بلدية سالزبورج لإحياء هذه الحفلات الشهيرة مسرحاً شاسعاً يمتاز بسذاجة وفخامته معاً؛ وكنا في سالزبورج والموسم على اشده، والمدينة تموج بالوافدين عليها من سائر الأقطار؛ تغص بهم فنادقها ومقاهيها وطرقاتها، ولم نستطع أن نشهد من هذه الحفلات الرائعة أكثر من حفلين لاستحالة الحصول على التذاكر ولأنه يجب للحصول عليها أن نشتري قبل الموعد بأيام إن لم يكن بأسابيع، وكان مما شهدنا حفلاً موسيقياً رائعاً برآسة أرتورو توسكانيني، ونظم في ضحى يوم ماطر كثير البلل، ومع ذلك فلم نتمكن من شهوده إلا بعد جهد جهيد
وتتخذ مدينة سالزبورج وسكانها خلال الموسم استعدادات خاصة لاستقبال آلاف الزوار الوافدين عليها، وتنظيم معدات الاقامة، وتيسير حركة النقل والتنزه، ويرابط في الطرق المؤدية إلى المسرح كثير من رجال البوليس لتنظيم حركة المرور الهائلة التي تجري حوله، وتغص الشوارع المجاورة والمقاهي القريبة بالجماعات الأنيقة وأسراب الحسان من كل جنس وأمة، وتسمع مختلف اللغات في كل مكان
وتقع سالزبورج في بسيط ساحر تحيط به الجبال الشاهقة؛ ومن أشهر بقاعها ونزهها ضاحية (هيلبرون) وقصرها الشهير، وتقع هيلبرون على مسيرة نصف ساعة من سالزبورج، ويربطها بها ترام خاص، يخترق طائفة من الربوع والمحلات المزهرة؛ وقد قصدنا إليها ذات صباح ماطر، وزرنا قصرها وبساتينها الشهيرة، ورأينا في قصر هيلبرون مناظر عجيبة لم نرها في أي أثر آخر؛ ذلك أنه قد نظمت في هذا القصر الغريب