ضحكت قط كضحكي تلك الليلة، ولقد أكلته جميعاً فما هضمه إلا الضحك والنشاط والسرور فما أظن، ولو كان معي من يفهم طيب ما تكلم به لأتى على الضحك أو لقضي علي ولكن ضحك من كان وحده لا يكون على شطر مشاركة الأصحاب
فانظر يا رعاك الله إلى أي حد كان يغرق الجاحظ في الضحك والمرح، والى أي حد كانت النادرة تستخف وقاره، وتهيج نشاطه، وتجلب له كل هذا من البشر والسرور. وماذا تقول في رجل لو وجد من يساجله الضحك ويجاذبه السرور لما أمن على نفسه الموت سروراً وضحكاً؟! على أن ما قاله صاحبه لمن يكن ليحمل على كل هذا ولا يدعو إليه، فيا ليت شعري أكان الجاحظ يعيش في الحياة بقلب فارغ من الهموم والمشاغل، بعيد من الأحداث والأوصاب؟ أم كان ذلك الرجل يضحك عن فلسفة وراي، فهو يعتقد أن هذه الحياة الفاجرة أحقر وأهون من أن يسفح الدمع في الحرص عليها، وأن يسجن القلب في سبيل الودادة إليها، وأن يتكلف لها ما يتكلفه بعض الناس من التزمت والوقار، وكزازة النفس، وضيق العطن، أولئك الذين ابتعدوا من المرح لأنهم زعموه ينافي المروءة، وحرموا أنفسهم نعمة الضحك لأنهم استقبحوه بالوقار!! قال الجاحظ ولو كان الضحك قبيحاً من الضاحك وقبيحاً من المضحك، لما قيل للزهرة والحبرة والحلي والقصر المبني كأنه يضحك ضحكاً وقد قال الله جل ذكره: وأنه هو أضحك وأبكى، وأنه هو أمات وأحيا، فوضع الضحك بحذاء الحياة، ووضع البكاء بحذاء الموت، والله تعالى لا يضيف إلى نفسه القبيح، ولا يمن على خلقه بالنقص، وكيف لا يكون موقعه من سرور النفس عظيماً، ومن مصلحة الطباع كبيراً، وهو شيء في أصل الطباع وفي أساس التركيب، لأن الضحك أول خير يظهر من الصبي وقد تطيب نفسه، وعليه ينبت شحمه ويكثر دمه الذي هو علة سروره ومادة قوته. ولفضل خصال الضحك عند العرب تسمي أولادها بالضحاك وببسام، وبطلق وبطليق. وقد ضحك النبي صلى الله عليه وسلم وفرح. وضحك الصالحون وفرحوا؛ وإذا مدحوا قالوا هو ضحوك السن، بسام العشيات وذو أريحية واهتزاز؛ وإذا ذموا قالوا هو عبوس وهو كالح، وهو قطوب، وهو شتيم المحيا. وهو مكفهر أبداً وهو كريه وبغيض الوجه، وكأنما وجهه بالخل منضوح
فالجاحظ إنما كان يقصد إلى الضحك والإضحاك: لأنه ذلك في رأيه (يكون موقعه من