للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سرور النفس عظيماً، ومن مصلحة الطباع كبيراً، وهو شيء في اصل الطباع وفي أساس التركيب، وهو أول خير يظهر من الصبي)، وإذن فليأخذ الجاحظ في الضحك والإضحاك ما استطاع حتى يغتنم هذا الخير فيسر نفسه ويصلح طباعه، وما أحوجه إلى ذلك. ومن ذا الذي لا يضحك على هذا الشرط. ويسبق إلى الإضحاك إذا ما صح عنده هذا الاعتقاد الذي كان يعتقده الجاحظ؟ وكأن الله قد أراد أن يسعد الرجل في هذه الغمرة، وأن يعده لأداء هذه المهمة، فبرأه مرح النفس أو على حد تعبيره - ذو أريحية واهتزاز كما برأه في منظر جهم، وشكل هو المثل السائر في القبح والدمامة، فكان الرجل لا يتورع ولا يتحرج من أن يجعل من ذلك مصدر ضحك وإضحاك، فيتفكه بقبحه ودمامته، ويتندر بما فيه من شذوذ الوضع وجهامة الشكل، بل لقد كان يحلو له ذلك ويتعمده ويسوقه إلى الناس وهو قرير العين، طيب الخاطر، حتى لتحسبه في تلك الناحية ممثلاً هزلياً وقف على الخشبة ليضحك الجمهور، ويدلهم على مواضع الدمامة في شكله، والنقص في خلقته وماذا ترى في رجل يحدث عن نفسه بهذه الصراحة فيقول: ذكرت للمتوكل لتأديب بعض ولده. فلما رآني استبشع منظري فأمر لي بعشرة آلاف درهم وصرفني!!

وقال فيما قال عن نفسه: ما غلبني أحد قط إلا رجل وامرأة فأما الرجل فإني كنت مجتازاً في بعض الطريق، فإذا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللحية مؤتزر بمئزر وبيده مشط يمشطها، فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى! فاستزريته فقلت: أيها الشيخ: لقد قلت فيك شعراً!! فترك المشط من يده وقال: قل فقلت:

كأنك صعوة في أصل حش ... أصاب الحس طش بعد رش

فقال اسمع جواب ما قلت، فقلت هات! فقال:

كأنك جندب في ذيل كبش ... تدلدل هكذا والكبش يمشي

وأما المرأة فإني كنت مجتازاً في بعض الطريق، فإذا أنا بامرأتين رأيت إحداهما في العسكر وكانت طويلة القامة، وكنت على طعام فأردت أن أمازحها فقلت لها: انزلي كلي معنا! فقالت: اصعد أنت حتى ترى الدنيا!! فهو يعرض بطولها وهي تعرض بقصره

وأما الأخرى فإنها أتتني وأنا على باب داري فقالت: لي إليك حاجة وأريد أن تمشي معي! فقمت معها إلى أن أتت بي إلى صائغ يهودي وقالت له: مثل هذا!! ثم تركتني وانصرفت،

<<  <  ج:
ص:  >  >>