كلّ ماض قد تردَّى بماض ... كسَنا البرقِ إذا ما يُسل
فأدَّرَكْنا الثَّأرَ منْهُمْ ولمَّا ... يَنْجُ مِ الحيَّين إلاَّ الأقلُّ
فاحتْسَوْا أنفاسَ نوْم فلمَّا ... هوَّموا رُعْتُهُم فاشْمَعلُّوا
فَلئِنْ فلَّتْ هُذَيل شَباهُ ... لبما كان هذيْلاً يَفِل
وبمَا أدْرَكَهَا في مَناخٍ ... جَعْجعٍ ينْقُبُ فيهِ الأضّل
وبمَا صَبَّحَها في ذُرَاها ... منْهُ بعْدُ القتْلِ نَهب وشَمل
صليَتُ منى هُذيْل بِخرْقٍ ... لا يَمل الشّرَّ حَتى يَمَلوا
يُنْهلُ الصَّعْدَة حتى إذا مَا ... نهِلَتْ، كان لها منهُ عَل
حلتِ الخمر وكانت حرَاماً ... وبلاْيٍ ما ألَمَّتْ تحُلْ
فاسقِنيها يا سوادَ ابنَ عمرو ... إني جسمي بعد خالي لخَل
تضحكُ الضبْعُ لقتلى هُذيْلٍ ... وترى الذيب لها يَسْتَهل
وعِتاقُ الطيرِ تَغدو بِطاناً ... تتخطاهم فما تستْقل
ولم تكن الفضائل التي استوعبها العربي عن الشرف معدودة كأنها صفات شخصية فطرية أو مكتسبة، بل إرثاً ورثه الخلف عن السلف منذ القدم، ولا بد له من أن يحافظ عليه تماماًً حتى يسلمه إلى أبنائه دون أن تشوبه شائبة ما، ولم يكن الأمل، في الخطوة بخلود النفس هو ما يحفز الشاعر العربي لأن (يقول القول ويفعل فعال الشرف)، بل كان الرغبة في أن يقاسم أسلافه ذكرهم، وينافسهم صيتهم. وهو بهذا ابعد ما يكون عن الفلاح الاسكتلندي، حين يقول في مثله الدارج (الإنسان بشخصه أياً كان اصله) لأنه كان ينظر نظرة الشك والريبة إلى هذه الجدارة التي ليس لها اصل مأثور عند الآباء:
ومَا تَسْتَوِي أحسَابُ قوٍم تُوُرثَت ... قديماَ وأحسَابُ َنبْتنَ معَ البقْلِ
وإن الحسب عندهم أشبه بحصن حصين قد جد في إقامته الآباء للأبناء أو كجبل شامخ يضرب بقنته في أجواز الفضاء، يرتد عنه مهاجموه بالفشل دون أن ينالوا منه شيئاً، وكان الشعراء يعرفون جيداً المفاخر والمثالب فيتشدقون بالأولى بشرف أجدادهم وكرم أرومتهم، ويتخذون الثانية أداة ينالون بها من أعدائهم دون رعاية أو اهتمام بقواعد الأدب والحشمة.
لقد وجهت عنايتي أن أورد في هذا المجال بعض الصفات الخاصة للشعر العربي إذا ما